Friday, December 28, 2012

المطرب للمطربة, تعالي صلّي معانا

كلما امتد أجلي على هذا الكوكب, كلما رأيت تناقضات داخل نفس المجموعة, بل داخل نفس الإنسان. و هذه المرة رأيت تناقضا لم أستطع أن أبرره.

منذ حوالي أسبوع - قبل "نهاية العالم" بأيام -, كان يذاع برنامج "صوت الحياة" - نسخة احتكارية سيئة التنفيذ من برنامج The Voice -. و في بداية البرنامج كان مقدم البرنامج يجري حوارا مع المتنافسين النهائيين. و جاء سؤال: "ماذا ستفعل يوم الجمعة؟", فكانت الإجابة المنطقية: "هاصللي الجمعة". رغم انتشار الخبر بين الشباب و مستخدمي الإنترنت بشكل خاص, إلا أنه لا مشكلة من تجاهل أو عدم معرفة شيء عن هذا الهوس الذي أصاب الغرب و أتباعه عن "نهاية العالم كما توقع شعب المايا" (رغم التشكيك في الفكرة من بعض الأصوات الخافتة). الغريب هو ما حدث بعدها.

عندما انتقل مقدم البرنامج للمتسابقة ليسألها عن ماذا تفعل يوم الجمعة (يوم نهاية العالم). فكان ردها: "هاغنّي و أتدرب عشان المرحلة اللي جاية". و حتى الآن لا مشكلة أيضا, ففكرة نهاية العالم لا تستحق الاهتمام بها أصلا. و لكن ما لفت نظري هو تعليق المتسابق الأول عليها: هاتختميها بغناء, ما تيجي تصلّي معانا؟" ... هنا كان اندهاشي.

لكل رأيه في الغناء. و أيا كان رأيه في تحليل أو تحريم الأغاني أو امتزاج الحلال و الحرام بها, فالموقف هو الذي جذبني و أثار دهشتي. أنت في مسابقة للغناء, و تريد أن تحترف الغناء ليصبح محور حياتك و مصدر دخلك, ثم تنكر عليها الغناء في آخر لحظات العالم! إذا كان عملك لا يصلح لأن تموت عليه فلماذا تفعله؟ و إن كنت محتاجا للمال - افتراضا - و لا سبيل آخر لذلك, فلا يبدو عليك أنك مضطر, بل مستمتع!

في مواقف عديدة لا أهتم برأي غيري بقدر ما أهتم بمقدماته و استنتاجاته. فالمنطق عندي أهم من القرار التالي له, لأنه الأساس. لذلك في مواقف أخرى قد أحاول إيجاد مبرر للرأي المقابل لي, أما هذه المرة فلا أستطيع إيجاد المبرر لهذا الموقف. و لكن يبدو أن في بعض الأحيان لابد أن أكتفي بالمشاهدة و التعجب في صمت حتى تأتي لحظة سفري خارج هذا الكوكب.

Monday, December 17, 2012

رفضت الدستور فقلت له نعم

مليونية "عايزين نروح أشغالنا", يوميا في ميادين مصر المحروسة من العين و النني


منذ يومين كان الاستفتاء في محافظة القاهرة على الدستور الجديد. دستور توافقي من ناحية جديدة, هو أنه لا يرضي أحد. لا هو دستور إسلامي, و لا علماني, و لا عسكري, و لا حتى وسطي. و بالتالي فهو دستور اتفق الناس على كراهيته.

كنت من ضمن الرافضين له و هم كثيرون -هذه المرة الأرقام هي التي تكلمت-. رفضته بسبب ميوعته و عمومية ألفاظه التي قد تأتي بالقانون و نقيضه حسب تفسيرنا له. فإذا كنا نتجادل في تفسير مواد مثل مبادئ الشريعة و المحاكمة العسكرية للمدنيين و إجراءات الضبط و الحد الأدني للمواطن و شروط الرعاية الصحية .. إلخ, فكيف سيكون النقاش في القوانين؟ بل يوجد من رفضه من أساسه بسبب طرق اختيار لجنته التأسيسية.

يقال أنك تتثبّت من قرارك عندما تنظر لمن معك في نفس القرار. و إذا فعلت ذلك في المؤيدين و المعارضين و المقاطعين, فستجد أن كل طرف مليء بالأشكال الضالة. منهم من يرفض نكاية في النظام الحالي, و منهم من يرفض نكاية في الشريعة -و لو كانت المبادئ-, و منهم من يقاطع ليهدم شرعية الاستفتاء و يجهّز للانقلاب على النظام الحالي -وهو ما يبدو أنه سيحدث-, و منهم من يوافق من أجل أن تسير العجلة و إن كانت لا تصلح للعمل, و منهم من يوافق لأن الدستور التوافقي هذا قد خدم مصالحه. و منهم من قاطع لأنه لا يهتم و لا يريد "وجع دماغ". و في كل الحالات, فالنتيجة لن تفرّق بين من اختار عن نية طيبة أو فاسدة. و بين هؤلاء و هؤلاء تجد من رفض أو وافق أو قاطع لأسباب منطقية. و قد كنت من المقاطعين لأنني لم أرض بنصف حل. فالدستور هو العقد الأولي بين كل من يعيش داخل الأسلاك الشائكة لهذا البلد و بين من يديرون أمورها, و الدستور الحالي يعطي الفرصة للصالح و الطالح بسن القوانين التي يريدها لأن ميوعة الدستور تسمح بذلك. و بذلك يصبح العقد غير واضح ولا أوافق عليه, فلن أوافق على عقد لم يُكتب بعد!

و رغم ذلك, غيرت رأيي و ذهبت يوم الاستفتاء و وافقت على الدستور بشكله الحالي! لماذا؟ أخذا بالمثل الشعبي الذي يقول: "ما أسخم من سيدي إلا ستّي". فإن كان الإخوان يخطئون كثيرا و لا يقولون الحق كاملا, فالمعارضة أسوأ و ألعن منهم.

معارضة تزيّف الحقائق. معارضة تظهر أجزاء من الحقائق لخدمتها, تسبّ الغير و رغم ذلك تخوّن و تسفّه من ينتقدها. تعترض على جرح لأتبعاها ولا تأبه لأرواح مخالفيها. تحرق مقرات مخالفيها و لا تأبه لجرائمها, و تولول على هجوم على مقر لها و تسارع باتهام المخالفين. تعتبر حصار المنشئات حقا لها, و حرام على مخالفيها. تتكلّم عن تأييد الشارع, ثم تصدح بنداءات البطلان و التزوير إذا خذلهم الشارع. تتباهى بشعب مصر العظيم, ثم تتهمه بالجهل إذا كانت الكفة مع المخالفين. تتباهى على شاشات القنوات التليفزيونية  و الإنترنت بأعداد "مليونياتها", ثم تدّعي أن "العبرة ليست بالعدد" إذا خرج المخالفون لهم "بمليونية" مضادة.

و لأن هذه الحلقة لن تنتهي, ولا يوجد في التاريخ ما يسمى بالتوافق, فقد اكتفيت بمادة واحدة في الدستور لأوافق عليه. المادة التي تسمح بتعديل مواد الدستور في مجلس الشعب بالأغلبية. بذلك تنتقل المعركة إلى الداخل, يكفي صياح و قتال و ادّعاء أرقام أو تأييد. من يريد أن يغيّر فعليه أن ينزل الشارع و يقنع الناس بأفعاله و خدمته لهم ليدخل البرلمان و يصبح الأغلبية. و من يريد الاكتفاء بالكلام فليس له مكان. إن كان أي طرف يريد خدمة الناس فليفعل و يأخذ حق التشريع كمكافأة. و عندما يفعل أحدهم ذلك, فأنا أثق أن الناس سترضى عنه. و لأنه الأغلبية, فأغلبية الناس ستوافقه. و بذلك أنتقل من المثل الشعبي السابق إلى المثل الآخر: "الطيور على أشكالها تقع" و "ربنا يهنّي سعيد بسعيدة".

أحيانا لابد من الجازفة و إن كانت مبادئك تناديك على الضفة الأخرى ...

Sunday, November 4, 2012

مرسي ميتر, هراء ميتر, إنه عين شمس ميتر

(كم كنت أتمنى أن أستخدم كلمة أخرى غير "هراء", و لكنني لم أستطع, حفاظا على الذوق العام)

رغم كثرة دعواتي بإنقاذي من هذا الحي, و هذه المدينة, و هذا البلد, و هذا الكوكب, و هذه الدنيا, إلا أنني من وقت لآخر أحمد الله على هذا الموقع المميز الذي جعلني أرى مدى السوء الذي تذهب إليه الحياة و مدي ارتفاع موجات الخير أو الشر. فأنا أعيش في المشكلات بدلا من الكلام عنها في غرف الشبكات الاجتماعية مع "البوبات" و "النخبويين" المنعزلين. المقياس الحقيقي هو ما أعيشه, لا ما يتكلم عنه هذا المسئول أو ما يسرده الإعلام من أرقام و حالات ضبط أو ارتفاع في البورصة.

منذ  عدة أسابيع كنت أفكر في مقدار التغيرات التي لمستها بعد الثورة و بعد تولّي الإخوان (الرئيس مرسي أو الرئيس الشاطر .. لم أعد أهتم كثيرا) ثم مرور مهلة البيضة الأولى لطائر النهضة. و الجميل أنني وجدت الحياة -حتى هذه اللحظة- أسوأ من الأيام البائدة. أنا لن أتحدث عن أيه إصلاحات سياسية و لا حرية تعبير و لا أي من هذا الهراء. أنا سوف أتحدث كمواطن تخرّج في إحدي كليات القمة و عمل في عدة أماكن يذهب و يجيء إليها بالمواصلات العامة و يشتري طلباته و ينهي أوراقه و يرجع لبيته ليرتاح و يجهّز نفسه ليوم جديد و يبحث عن حياة زوجية و عن راحة بال و دخل يؤمّن الجانب المالي فيما هو قادم.

ما هي المشكلات المعتادة التي لا تزال موجودة؟
- سيارات النقل الجماعي (الميكروباص) تفعل ما بدا لها من سرعة عالية و تقطيع المسافات لمسافات أصغر لجمع مال أكبر و رفع السعر وقتما أرادوا.
- الشرطة لا تزال في فسادها و تجاهلها. فهي لا تأتي في كثير من البلاغات. و في المرة التي رأيتها تأتي فيها رجعت من حيث أتت بعد أخذ رشوة. و لا داعي لذكر حالات التعذيب و تلفيق القضايا التي تشير لقوة الحق في مواجهة الباطل (إن لم تفهم التهكم .. لا تتابع).
- الوساطة و المصالح هي الأسلوب الرسمي في التعامل في أي مصلحة حكومية.
- نسبة السلاح و البلطجة في ازدياد دون رقابة أو عقاب.
- الأسعار في ارتفاع مستمر و بخاصة في المناسبات أو عند ورود أخبار عن علاوة أو مكافئة للموظفين. التجار الكبار هم من يرفعون و يخفضون.
- الأفراح و المآتم العشوائية تزداد تفننا في زيادة عدد مكبرات الصوت و حجم السرادق و المضمون القذر سواء كان أغنية عن المخدرات أو خطبة عن التقوي!
- ارتفاع مستوى السفالة في الألفاظ و الملابس و الأفكار في السينما و التليفزيون و السينما و الجرائد دون رقيب أو حماية للأطفال أو الذوق العام.
- الإشغالات في ازدياد حيث ترى المقهى بكراسيه التي تقطع الشارع و تترك حارة واحدة لمرور السيارات ولا مكان لسيدة ذات حياء.
- المستشفيات التي أخشى الدخول إليها بسبب تدنّي مستوى خدمتها و انعدام ضمير أطبائها -إلا لو امتلكت وساطة قوية- و لابد من دفع الكثير من أجل الذهاب لمكان أفضل حيث كل خطوة بثمنها.
- إذا وجدت خطأ في المواصلات أو الشارع أكون وحدي أمام الظالم -مع كثير من الساكتين- و لا أجد في قطر مئات الأمتار من يساعدني في حين أن مواكب الرئيس أصبحت تستفز مشاعري من كثرة الجنود التي أتمنى واحدا منهم يجوب منطقة سكني لتوفير و لو قدر بسيط من الأمن.

القائمة تمتد كلما فكرت في أمور حياتي. و يوما بعد يوم, أفقد ارتباطي بهذا الرئيس الذي "عصرت على نفسي لمونة" (تعبير شعبي) -مثل كثير من المصريين- كملاذ أخير من الفاسد الآخر. و يوما بعد يوم, أفقد الرغبة في الإصلاح و النقد و النصح. فما فائدة إصلاح سيظل في دائرة العمل التطوعي المنزوع الصلاحيات أو الحماية؟ و ما فائدة النقد في مواجهة البلطجة؟ و ما فائدة العراك إن كنت لن أجد من يحميني من ترسانة الأسلحة أو يأخذ لي حقي؟ حتى الآن لا أجد شيئا يتحسن إلا نثريات لا تُذكر في الحياة العامة و ما يهمني كمواطن.

يبدو أن طائر النهضة لا يزال يعاني من عسر هضم و نحن لا نزال في مؤخرته.

سيدي الرئيس, يمكنك فعل الكثير من الأمور التي لا تتطلب أموالا طائلة, و في بعض الأحيان لا تتطلب أموالا على الإطلاق. و شكّي في نواياك و صلاحياتك يزاد يوما بعد يوم. صلاتك تفيدك وحدك, و عدلك يفيدنا جميعا. لن أقول " وا مرساه" .. و سأكتفي بالقوي و أقول "يا الله".

Tuesday, October 30, 2012

مع ساندي أم ضدها؟

عندما جاءت العاصفة ساندي لتلقى بمياهها و تدفع بدمارها على الساحل الشرقي للقارة الأمريكية الشمالية, ظهر ذلك الخلاف عن ما إذا كان من حق أحد الفرح بهذا الدمار أم لابد من التعاطف مع الإخوة المواطنين في الولايات المتحدة الشقيقة. هنا يأتي سؤالي: هل الشعب الأمريكي منفصل عن قراراتها؟

New Jersey, Image courtesy @errieleo


عندما أرجع بالزمن أجد أن الشعب الأمريكي إما موافق على قرارات رؤسائه, و إما غير موافق ولا ينتفض أبدا. و ذروة حنقي كانت عند إعادة انتخاب جورج بوش الابن لكي "يكافح الإرهاب" و يحمي أمن الولايات المتحدة القومي بشكل مستفز يذكّرني بتأييد هتلر أو نيرون من قِبَل شعوبهم في قراراتهم الدموية. عندها  كنت على يقين أن أغلبية من يملكون حق التصويت هم من وافق على استمرار تنديس الأراضي المسلمة و اغتصاب و ذبح نسائها و تعذيب رجالها و التبول على المصاحف و هدم و حرق مساجدها في أفغانستان و العراق و استمرار التدخل المستمر في قرارات باقي الدول بجانب القواعد العسكرية و حماية الورم الصهيوني المستمر في التجريف و القتل و توسيع ورمه.

إن كان للديمقراطية فائدة, فهي إشراك المواطنين في مسئولية ما يفعله القائد. تلك الأغلبية المستمرة في الموافقة أو الخضوع هي سبب رئيسي في ما يحدث للمواطنين في الناحية الأخرى من الأرض التي لا يعرفون عنها الكثير. حينها و إن تعاطفت مع هؤلاء الناس بجانبي الإنساني, إلا أنني لا أملك إلا أن أفرح في العقاب و الدمار الذي لا تستطيع دولة على الأرض أن تنقله إلى القارة الأمريكية -اللهم إلا هجوم 11 سبتمبر 2001, فالحرب مع هذا الورم الكبير (الدولة الأمريكية قامت على الإبادة و الاستعباد, تذكير لمن ينسى) كانت دائما خارج أرضه إلا من هجوم بريطاني شرقي هنا (في البداية) أو هجوم على ساحل غربي هناك (الحرب العالمية الثانية).

كونك لم تنشأ في دولة مدمَرة أو لم تدخل سجنا أو لم تفقد عزيزا أو لم تشعر بإهانة لجريمة خارج "تراب" بلدك لا يعني أن أهل هذه البلاد أو من يتعاطف معها أو من يشاركها قضيتها يشاركونك نفس الشعور. كم أود أن أتعاطف بدافع الإنسانية, لكن قلبي انفطر مرة بعد أخرى و قارب رصيد تعاطفي على النفاذ من كثرة الجرائم التي استهدفت بلدي و ديني و إقليمي و جنسي و كوكبي.

Monday, October 29, 2012

التربية الوطنية بالإكراه

هناك نظرية (و حدثت معى كثيرا) بأن أي أغنية تحبها سوف تكرهها إذا وضعتها نغمة للرنين على تليفونك المحمول. و يحدث نفس الأمر عند سماع العديد من الكلمات أو رؤية أمكنة مرتبطة بمواقف محددة. كذلك التربية الوطنية. ما هي التربية الوطنية؟ ما أذكره من المدرسة أنها كانت تشبه حصص التاريخ إلا أن بها إضافة: تخطّي حاجز العلم و إضافة التزام أدبي و نفسي بأن هذه المادة تمثّل مقدار انتمائك للوطن و حبك له. فهي حصة تاريخ مع إضافة عنصر الإكراه على حب المحتوى.

في تسعينيات القرن الماضي, انتشرت صيحة أزياء مقززة تتمثل في قمصان و أربطة شعر و حقائب عليها العلم الأمريكي, و كنت أتعجّب من عدم وجود مثيلاتها بالعلم المصري أو حتى الفلسطيني. بل عندما عدّلت في شكل ساعة يدي لتحمل ألوان العلم الفلسطيني وقت الانتفاضة وجدتها ملفتة للأنظار كأمر غريب تسقط أعين الناس عليه لأول مرة. ثم في بدايات هذا القرن و حتى الآن توجد ملابس و حقائب (لا أربطة شعر لأن صيحتها انتهت) تحمل أعلاما للبرازيل و إيطاليا, رغم أن الشركات المصنّعة هي شركات مصرية أو صينية! فلماذا هذا الحب للغرب و كره الوطن؟!

منذ أيام رأيت صورة من فيلم Iron Man III و قد تغيّرت ألوانه ليشبه Captain America, وفي خلفيته علم الولايات المتحدة, و هو أمر يحدث كثيرا في أفلام الأبطال الخارقين, بداية من الأفلام الأولى لـSuperman و حتى Spiderman و Captain America. حينها لاحظت الأمر بشكل مكثّف أكثر من أي وقت مضى. لقد تحوّل حب هذا الاختراع الحربي من مجرد حب للإثارة أو التكنولوجيا إلى رمز وطني. و بربط كل التاريخ الأمريكي القصير نجد حب رعاة البقر و المهاجرين الأوائل في حروبهم ضد الجيوش البريطانية (على أرض لا حق للطرفين فيها) حتى العصر الحديث بل و المستقبل و الخيال العلمي الذي يصوّر الولايات المتحدة (و أحيانا البطل الأبيض, و أحيانا البطل المسيحي) كمركز للدفاع عن الكوكب و حماية بني البشر. (سؤال اعتراضي: ماذا تعرف عن طارق بن زياد؟ و كيف كان شكله الحقيقي و أصل جنسه؟)


فماذا نملك من وسائل لربط الإنسان بوطنه أو دينه أو أهله؟ .. لا شيء. فكما ذكرت من قبل, لا يوجد إلا نظامٍ تعليميّ عقيم يدفع بالملل و الكراهية لأي مادة علمية أو أدبية يدرسها الطالب.و ها نحن في آخر يوم لعيد الأضحى (العيد الديني) و ها هي قاعات السينما مليئة فقط بأفلام كوميدية فارغة المحتوى (الضحك للضحك) و أفلام بلطجة و تحرش على أنغام موسيقى لا تمتّ للفن بصلة, بقيادة جيوش السبكي للّحوم.

نحن نتحدث عن أناس لا يريدون جدّية في الحديث (بل يكاد شكّي يتأكد في أن أيا من هؤلاء لن يعجب بما أكتب). أناس كانوا يجتمعون خلف رسول الله -صلى الله عليه و سلّم- فلما مات اهتزّوا و منهم من تراجع. أناس اجتمعوا خلف عبد الناصر رغم جرائمه و هزائمه و لا يزالون يدافعون عنه. العمل المستمر و جذبهم بشتّى الطرق هو الأسلوب الوحيد للدفع بأفكار مختلفة في عقولهم أو جمعهم على أمر مفيد. قد يكون ذلك بأفلام ذات إنتاج كبير تجذبهم لها دون أن يكون المحتوى ثقيلا أو مباشرا. قد يكون ذلك بالتركيز على كلمات قليلة في الخطابات و المشاريع لكي لا يتشتت هذا العقل الذي يتوق للراحة و التبعية السهلة. قد يكون ذلك بإظهار الأمثلة الجيدة في مختلف الطبقات و صنع أبطال عديدين لكي يصبحوا عناصر تأثير تجذب الأتباع من الطبقات المختلفة.

في هذه الفترة من نكستنا المستمرة لمئات السنين, لا فائدة لأي قيمة أو دين (أكرر: دين) مع وجود هذا الكم من الجهل و رفض الواقع و الجري وراء ملذّات مسكّنة. طريقة العمل هي التي تصنع الفرق. فهل من منتج أو مبتكر ... أو بطل؟

Tuesday, October 23, 2012

شالو هال - القصة الحقيقية

عندما رأيت فيلم Shallow Hal معروضا على إحدى القنوات منذ عدة أيام, تذكرت تجربة قام بها شخص مقرّب جدا منذ عدة سنوات. لمن لا يعرف قصة الفيلم, فهي باختصار عن شخص يجري وراء النساء حسب مظهرهن الخارجي, و في يوم من الأيام قابل معالجا روحيا قام بتنويمه مغناطيسيا بحيث يري الجوهر لا المظهر, و بعد ذلك تغيّرت معاييره تماما. و توجد منه نسخة مصرية مقلّدة للمنتج المخرّب للسينما المسمى بـ"السبكي": حبيبي نائما.



عندما تذكّرت التجربة, فكّرت في انجذاب الناس لكل ما هو مستحيل و حبّهم للخوارق رغم وجود بدائل تقرّبهم من أحلامهم. بل في بعض الأحيان تفقد الأحلام جمالها عندما تتحول إلى حقيقة. و على خلاف هذا, فقد كانت التجربة جديرة بالاستمرار لعدة أسابيع, ثم شهور, ثم سنوات. مقدمات التجربة باختصار كالآتي: كان هذا الشخص يشعر بانعدام الأخلاق في الاستهزاء بشخص بسبب صفات لا دخل له فيها كالمظهر, و لكن في نفس الوقت لا يمكن التحكم في رد الفعل في المواقف المفاجئة. ثم جاء مثال آخر يوضح أهمية رد الفعل في حلقة للدكتور عمرو خالد, ذكر فيها أن عاملا للنظافة رآه في الشارع فأراد احتضانه, فكانت هي لحظة واحدة لأن يحتضنه بالمثل أو ينفر (و إن احتضنه لاحقا), فهذه اللحظة كفيلة بمعرفة الرد الحقيقي للإنسان قبل أن تتدخل العوامل الأخرى للعقل, و هي لحظة يمكن للطرف الآخر أن يلحظها و يتأثر بها.

ظهرت فكرة التجربة عندما حاول هذا الشخص إقناع نفسه بأن لكل إنسان جماله, و أن لا شخص كامل. فكانت جملة مثل: "و مين جميل؟" للاعتراض على كمال أي إنسان. و هذه الجملة كانت ذات تأثير فتمسّك بها, و إلى هنا انتهى الجزء اليسير الذي كان مليئا بالتتابعات الغير مقصودة و بدأ جزء العمل. هذا الجزء احتاج لمراقبة العقل طوال الوقت في انتظار أي موقف يحتاج العقل فيه للحكم على شخص من الخارج. فكلما جاءت فرصة للحكم على شخص بالدمامة أو الجمال كان عليه أن يذكّر نفسه بأن لا أحد كامل و لكلٍ نقاط قوة و ضعف, مع استطرادات و بحث في كل حالة إن أمكن. و استمر هذا الأمر معه كما ذكرت لسنوات. وفي كل مرة تزداد الثقة و تزداد سرعة البحث عن نقاط الجمال في كل شخص. و مع الوقت -و كما في تدريبات الدفاع عن النفس- يصبح الأمر تلقائيا و لا يحتاج لوقت تفكير أو عامِل حفّاز. و بذلك -و مع الوقت- بدأت الفروق بين الناس تقلّ بشكل تدريجي -و إن استمر وجود الكثير منها- بشكل كاف لتقبّل عدد أكبر من الناس و تقليل الانجذاب لعدد أكبر من أصحاب المظاهر الجذابة.

تلك كانت التجربة باختصار. لا أظن أنها مناسبة للجميع لأن لكل شخص تفكيره -و البعض لا يفكر من الأساس-, و لأن لكل شخص طريقة تأثير تناسبه. و لكنني وجدتها طريقة جديرة بالاحترام. ففي حين أن الأمر يبدو ظاهرا في كتب الدين و في دروس المدارس و حلقات التنمية البشرية, إلا أن طريقة التطبيق هي التي تحدد إذا كانت الفكرة ستستمر و تدخل النفوس أم ستظل على الأوراق.

Wednesday, October 17, 2012

افتح سايبر

المشهد الأول: ورشة عمل عن التسويق

تم تقسيم الحاضرين لمجموعات و على كل مجموعة أن تحدد فكرة مشروع ثم تقوم بتطبيق عدة نقاط على هذا المشروع. في مجموعتي, اقترح أحدهم فكرة و قد كانت فكرة مضمونة الربح بشكل كبير. ملخصها كالآتي: مجمّع يشمل مقهى (كافيه) و صالة ألعاب رياضية (جيم) و مقهى إنترنت (نت كافيه).  و وافقنا على الفكرة و كانت من الأفكار التي تبدو قابلة ااتنفيذ على مراحل بين الأفكار المطروحة من الفرق.

المشهد الثاني: مترو الأنفاق

رجل يتحدث مع آخر عن فكرة مشروع ربحي, فيقوم زميله باقتراح: "افتح سايبر, و أنا معاك في المشروع" (سايبر = مقهى إنترنت). و نبرة الرجل كانت واثقة حين اقترح هذا المشروع, بل و عرض عليه المشاركة و ذكر له التكلفة التقريبية. فهي فكرة ناجحة و الإثبات موجود في كل شوارعنا.

من هذين المشهدين - و غيرهما في حياتي و تلفازي- تظهر الثقافة الربحية التي أصبحت منتشرة في كل مكان بشكل من أشكال التفاعل المتسلسل, حيث يحاول واحد و ينجح, فيقلده آخر و يتجح, ثم آخر ثم آخر. و في الطريق تظهر عدة أمثلة للفشل ليتعلم الجميع كيفية تفادي الغلطة القاتلة -طريقة تفنيد مستندات, رشاوى, منتجات غير مطلوبة, تأمين .. إلخ-. منذ سنوات وعيي و حتى الآن رأيت السلسلة و هي تخرج من حيّز المقاهي الشعبية و محلات الألعاب الإلكترونية (السيجا) لتنتشر و يتغير شكلها حسب تغيرات المجتمع -و التقليد بين المحلات- إلى مقاهي لعرض المباريات و قنوات الأغاني و "كافيهات" حديثة تعرض الأغاني و المشروبات الغربية و يتحدث عمالها بالانجليزية, و مقاهي للإنترنت و الـ"بلايستيشن" , و محال لبيع الموبايل و اكسسواراته.

و ها أنا اليوم أنظر من حولي لأرى ثقافة استهلاكية -و هدمية أيضا- لا تحرّكنا قيد أنملة للأمام. ففكرة المشروع لا تعني أي فكرة أو هدف إلا المال, و المال فقط. فبالإضافة لأن الكثيرين لا يريدون في الحياة إلا لقمة العيش و لا يجدون الوقت للبحث عن إنسانيتهم أو دينهم -أو أي شيء متجاوز للأحشاء-, لم تكن يوما -على الأقل في سنوات حياتي- المغامرة ضمن الحسابات, و لذلك أصبح التقليد هو الشيء الأضمن بدلا من التجريب. أو كما قال "الشفيق فريق": سكان الوديان سهلي المعشر و الانقياد (هل أنا حقا أقتبس عنه جملة مفيدة؟!). 

ما المشكلة في ذلك؟ دعوني أضرب مثالا أولا: في بعض الإحصائيات يظهر النمو للمحتوى العربي على الإنترنت مطردا بشكل جنوني. فما هو المحتوى في الحقيقة؟ كان هو المنتديات العربية التي لا تضيف الكثير من الفائدة مقارنة بالأكوام من الإشاعات و المواضيع الدينية المكذوبة و روابط التحميل لملفات مسروقة. كذلك السوق الأن, مئات من "المشاريع" التي -و إن كانت تدر دخلا لأسر- لا تضيف شيئا لمجتمعها أو دينها أو حتى لنفسها, بل على العكس, مع ازدياد أعدادها تصبح ذات تأثير سلبي على المجتمع بجوانبه المختلفة.

قليلون من يحاولون. منهم من ينجح , فيقلّده آخرون إن استطاعوا سواء بهدف أو بدون. و منهم من يفشل, فيحتاط الآخرون من نوعية المشاريع هذه. و في وسط هذا الهراء ما العمل؟ لا أرى إلا التحالفات و المساعدات. فمن سيجازف بكل ما يملك من أجل "فكرة"؟ و من سيستطيع دعوة الناس بمفرده لسلعة لا يحبونا دون حتى أن يجربونها, ولا يتجرؤون إلا عندما يجدونها تنتشر؟ المشاريع كغيرها من الأفكار و الجماعات, لا تنتشر بأفراد إلا في حالات نادرة من التوفيق أو التعب الشديد, و لابد لها من دعم مادي و معنوي. ما أتحدث عنه هنا ليس أمرا هيّنا, فهي ثقافة مجتمع بطبقاته من الأشد فقرا إلى الأشد غنى. و هنا سؤال جديد: هي تتغير الثقافة قبل أن تتغير الأفراد؟ و هل يتغير الأفراد بدون محاولات فردية؟

يبدو أن الأمر في النهاية بيد الأفراد لا الجماعات -كالعادة- لحين ازدياد أعدادهم ما بين عامل و مؤيد لتبدأ الصخرة في التدحرج.

Tuesday, October 9, 2012

الشيخ أبو حمالات إبراهيم بن عيسى الفاصل

منذ عدة سنوات -عندما كنت طالبا في كلية الهندسة- كنت أحضر محاضرة لأحد مهندسي البرمجيات و قد تطرق لأسلوب عمله مع شريكه الذي هو في نفس الوقت صديقه. كان يتحدث عن أنه عندما يدخل لغرفة الاجتماعات مع شريكه فإنهما يتركان صداقتهما و كرامتهما .. إلخ على الباب و يدخلون لمناقشات العمل و مشكلاته و عصبياته. و عند خروجهما يلتقطان ما تركاه على الباب, و لا مانع من أن يذهبا سويا لتناول الطعام أو المشروبات. كان هذا مثالا جيدا للفصل بين العمل و الحياة الخاصة و عدم تأثير خلافات العمل على الصداقة.

و منذ سنوات و حتى الآن أجد الكثيرين الذين ينادون بفصل الدين عن السياسة, ولا دخل لتعاليم هذا الإله بأمور الحياة العامة, فلا أحد يحتكر الإله (!). و من هؤلاء الفقهاء الجدد الشيخ: أبو حمالات إبراهيم بن عيسى الفاصل. "إبراهيم بن عيسى" هو اسمه, و "أبو حمالات" هي كنيته, و "الفاصل" هي صفته التي تناسبه. فقد أظهر -كغيره- ما في جعبته من معاداة للآخر بمجرد أن يخالف رأيه أو اتجاهاته في أمر هام.  و حتى هذه اللحظة لا أفهم كيف يضع الإنسان لنفسه مجموعة من الأخلاق و المبادئ لحياته الشخصية و مجموعة أخرى لحياته العامة. فإن كان الفصل ممكنا في الخلافات بين شركاء التجارة أو الدراسة, فهي لا تزاال تقع تحت مظلة تعدد الآراء دون تدخّل في المبادئ, فالأمر لا يتعلّق بأخلاق أو عقائد ولكنه مجرد خلاف في استراتيجيات أو نظريات. و لكن غير المعتاد هو أن ينتمى شخص لدين او جماعة لها مجموعة من المبادئ و الممارسات التي يفترض بها أن تطبّق في حياته حتى آخر نفس في صدره, ثم يتركها في بيته و ينزل للشارع بمبادئ و ممارسات جديدة تخالف ما تركه بالمنزل! و ها هو الفقيه يضرب من جديد في ذكرى حرب أكتوبر عندما يتحدث عن الفصل بين بطولات الفريق مبارك في الماضي و جرائمه في الحاضر, و كأن الماضي ينتمي لشخص و الحاضر لشخص, و كذلك حسابه!


في ذكرى وفاة الدكتور المفكر المناضل (ولا مانع من ذكر اليساري) عبد الوهاب المسيري رحمه الله, فأنا أذكر نقطة مهمة تعجبني في أفكاره و دراساته. فهو رغم اهتمامه بالتفاصيل و الأصول في كل جانب في دراساته, إلا أنه لا ينسى أن يجمّع ما يملك مرة أخرى ليلقى نظرة شمولية على موقف أو جماعة ما. فقد كان له رأي في أن الإنسان هو كائن مركّب متعدد الأبعاد لا يمكن الحكم عليه بجانب واحد في حياته أو شخصيته. و هو ما ينكره الكثيرون الآن من باب: دع ما لقيصر لقيصر و ما لله لله, و كأن الله و قيصر شريكان في الحكم أو ملوك لدولتين مختلفتين (!).

جانب آخر من الفصل الذي وجدته انتشر منذ حوالي السنة, هو الأعمال الخيرية للأم أنجيلينا. حيت تتعالى الهتافات بجمال و عظمة و تواضع الفنانة القديرة. و كيف أنها مثال للإنسانية و الأخلاق الحميدة. و حين يخرج صوت للقول بأن أخلاقها ليست بهذا الجمال و أن الأخلاق هي حزمة كاملة تؤخذ بأعمالها الخيرية و الفنية و حياتها الخاصة, تخرج في المقابل أصوات عديدة باتهامات من نوعية: إحنا لاقيين غيرها بنشاط خيري؟, إحنا مالنا إحنا لينا بتبرعاتها, شغلها حاجة و تبرعاتها حاجة... إلخ. و بالرغم من أن هذا الكلام ق يكون صحيحا كنوع من تقبّل الخيار المتاح لحين وجود بديل, إلا أن ما يحدث -كالعادة- هو تنازل مؤقت ثم تركيز ثم مبالغة ثم يصبح الأمر هو المعتاد, تماما مثل التفريط في إنسانية الفقير الذي أصبح هو المعتاد, و استخدام القوة لأخذ الحقوق و النجاة في حياتنا, أو حتى القيادة التي أصبحت حربا مرورية.

و تبقى نقطة, ما هو السبب الرئيسي المؤثر في طريقة التفكير الفصلية (التفكيكية) هذه؟ أم هي عدة أسباب مجتمعة؟ هل السبب تأثر الضعيف بالقوي؟ عدم إيمان الإنسان بما لديه لأنه لم يعطه ما يريد؟ هل هو التعوّد و الانشغال بمشكلات الحياة اليومية دون أن يجد الإنسان فرصة للتفكير في صورة أبعد من رغيفه؟

دون إيجاد رأس المشكلة فلا فائدة من الصيحات المتكررة التي لا يسمعها أحد -بل يتخذ البعض منها موقفا دفاعيا بدافع الطبيعة الإنسانية من كل ما هو مخالف للمتعود عليه-. و هذا يقودنا للمشكلة المعتادة, من يسيطر على الإعلام هو من يملك اليد الغالبة, و من يملك المال و الرغيف هو من يتوقف الناس ليسمعوه. لذلك فحتى يصل من بملك الفكرة لمواضع القوة التي تسهّل عمله, لابد من توزيع المهام بين كلام و عمل. فالكلام وحده لا يفيد, و العمل وحده لا يجلب الدعم الكافي. و لكن يبدو أن للمنابر إغراء لا يقاوَم. فينصرف كلٌ إلى قناته أو جريدته يكلّم أتباعه, و من يستطع أن يصل بوسيلة -في الغالب ملتوية أو على الأقل بها تنازلات بحكم القانون الصراعي (الدارويني) الحالي- لنقاط القوة هو من يستطع التأثير و فرض قوانينه. لذلك فمن يريد أن يثبت على مبدأه و لا يفرّط من أجل الوصول أن يعمل و يعمل مع وضع وقت للكلام, فهو يحتاج لمجهود إضافي لتجنّب التنازلات. فهل من عامل؟

Friday, September 14, 2012

ما بين الجميلة و الموزّة

مصطلحات عدّة تستخدم لوصف الأنثى, ما بين "قمر" و "عسل" و "فرس" و "وتكة"  ... و "موزّة". و كأي كلمات متشابهة في أي قاموس و معجم, فالكلمات في "المعجم اللذيذ" تحمل اختلافات رغم تشابهها - على الأقل - عند الشباب "الأوّلي" الذي يشبه الإنسان في الشكل الخارجي و "الأميبا" من الداخل. و دون حاجة لتوضيح السبب, فكل كلمة تستخدم تحمل أفكارا و مرجعيات في طياتها, و يمكن بمراقبة عدة كلمات و حركات تصنيف الإنسان في المجموعة التي تناسبه.

و من بين الكلمات, اخترت كلمتين تحملان فرقا كبيرا رغم بساطة استخدامهما. و رغم وجود كلمات أكثر اختلافا و تطرفا, إلا أن هاتين الكلمتين يمكن الكلام عنهما و وصفهما بشكل أقل حرج: "جميلة" و "موزّة".

هاتين الكلمتين يمكن التفريق بينهما بسهولة نظرا للفرق الكبير بينهما. و كأمثلة للفرق بينهما يمكن القول:
- الجميلة هي التي لا يمكن تحديد صفات محددة لها, و "الموزّة" هي التي لها صفات محددة ولابد أن يكون لها "شكلا".
- إذا سألت عن صفات الجميلة قد تجد صفاتاً مختلفة من هذا و هذه, أما "الموزّة" فصفاتها تتقاطع بطريقة أو أخرى.
- الجميلة هي الأكل اليومي الذي تعيش به للأبد ولا يؤذيك. و الموزّة هي الأكل الحار الذي قد تهفو إيه و لكنك تتركه سريعا لكي تكمل حياتك. (كتفكير ذكوري)
كلمات أخرى يمكن وضعها على الخط الذي يمرّ بالكلمتين السابقتين, ففي المنتصف قد تكون كلمة مثل "قمر", و في الطرف الآخر البعيد قد تكون كلمة مثل "فرس".

ما الهدف من هذا الشرح؟ ربما تدريب للعقل.

Sunday, July 15, 2012

قاموس الشركات الرأسمالية في مصر

كنت قاعد بفكر في المصطلحات بتاعت الشركات اليومين دول, لقيت انها تثبيت بشكل ستايلش. مجرد استهلاك لمصطلحات موجودة و جعلها واجهة للأسلوب السادي في التعامل, و يبدو من الكلام مع ناس كتير ان دا أصبع العادي في أغلب الشركات المصرية هذه الأيام. المصطلحات دي بتحفظ الصورة الاجتماعية  و تخبي البلاوي اللي بتحصل ورا الصورة دي.
و دا تفسير لشوية مصطلحات بتتكرر لحد ما أصبحت بدون معنى:

Ownership 
يعني سيبك من القانون, انتا هاتبات هنا لحد ما الشغل يخلص و يعجبني

Self-learner 
يعني مالكش تدريب عندنا ولا مساعدة, عندك وصلة النت و مع نفسك, اتشقلب و خللص

Cross-functional
يعني هاتعمل كل حاجة عشان لقمة العيش, لو حتى هاتشتغل مسند كرسي 

Presentation skills 
يعني عايزينك صايع تقرطس زبون لو اتزنقنا و احتجنالك, مع إنك شغلك مافيهوش تعامل مع زباين

Passionate 
يعني هاتشوف القرف و لازم تلاقي طريقة تصبّرك

Work in small teams 
هاتعمل نومة العازب و ماحدش هايوريك وشه, تعامل مع نفسك

Something is a plus 
يعني قدّم السبت (أحسنلك تكون عارفها) عشان ماتتزنقش قدام في البتاعة دي و تقلل أيام السهر

Agile environment 
يعني الجود بالموجود و مشّي نفسك بالمعلومات اللي اديتهالك و خللص في يومين


و بكدا لو حاولت تترجم أي جملة "شيك" بتسمعها فممكن تلاقي قدامك فجأة مقاول أنفار ببدلة و أيباد ... إنها سخرة القرن الحادي و العشرين يا سادة. ربنا يرحمنا و يجنبنا شرور المقاولين و السماسرة.

Saturday, June 9, 2012

البحث عن دين: 3- المقارنة و الاستنتاج و الهدم



كنت في الماضي أسمع –ثم أردد- تمنيات الناس بأن يعاصروا الرسول و يجاهدوا معه. ثم رأيت السؤال بعد عدة سنوات: ماذا لو كان الاختبار أكبر من عزيمة البعض و قدراتهم؟ هل كنا سنصبح مع الكفار و نرجم أتباع النبي الكذاب (تنزّه عن هذا اللقب, الوصف فقط حسب الجانب)؟ أم سنصمت و نرى ماذا سيحدث (حزب الكنبة, أو ربما حزب الخيمة)؟ أم سنقترب لنرى بضاعته و نحكم عليها؟ هل عندها سنقدر على تقبّل سماع ما يهدم عقيدتنا (واء وثنية أو يهودية أو مسيحية موحدة أو مثلثة)؟

من هذه الأسئلة كانت طريقة رافقتني: حيثما تجد تناقضا أو اختلافا في الرواية, لابد من قرار. و هذه عدة أمثلة لشكل التنافضات أو الاختلافات التي مرت عليّ(ملحوظة: الكتب السماوية تحديدا هي من نفس الإله, لكني أحكم على الوضع الحالي للكتب التي ينشرها أتباعها):
1-    عند اختلاف تفاصيل الرواية (أو زيادة تفاصيل) في حدث خاص بالتاريخ, فهو و إن كان غير مؤثر على المستقبل, إلا أنه يؤثر في الحكم على مصداقية باقي المحتوى. مش قصة خطبة السيدة مريم ليوسف النجار في الإنجيل مع عدم ذكر ذلك في القرآن, أو تفاصيل وصف بداية الخلق في التوراة مع الوصف المقتضب في القرآن.
2-    عند وجود تفسير لإحدى المعجزات بطريقة علمية معقدة, مما يعني إما كذب الكتاب أو ضلال العلم. مثل التفسير العلمي للعقابات العشرة التي جاءت على مصر في عصر فرعون و المذكورة في التوراة و القرآن. أو التفسير العلمي لطوفان سيدنا نوح.
3-    عند وجود تناقض في التاريخ لا يحتمل روايتين مثل رواية زنا سيدنا لوط أو دياثة سيدنا إبراهيم (عليهم السلام) في التوراة مقابل الشكر في أخلاقهم في القرآن, أو قول سيدنا عيسى في الإنجيل أن من يأتون بعده أنبياء كذبة و قوله في القرآن أن من بعده نبي اسمه أحمد.

و مع اختلاف المواقف و تنوعها لابد من أن يكون أحد المصدرين على خطأ أو أن هناك تفاصيل مفقودة قد تغير شكل الرويات. أمثل لتنوّع الأحكام كما حدث في حالتي:
1-    بعض التفاصيل التي تكون زائدة في أحد النصوص ولا تهدم النصوص الأخرى. لماذا لا تؤمن بها إن كنت تتبع هذا الكتاب أو تتجنبها مع عدم الذم فيها طالما لم يوجد في كتابك ما ينفيها؟
2-    بعض التناقضات التي لابد من اختيار أحدها. حينئذ لا بد من الاختيار بعد البحث و معرفة السياق و التدقيق التاريخي في كل أمر يمكن البحث فيها مع سرد الروايات المختلفة و كأنه تحقيق في جريمة أو بحث علمي دقيق.
3-    بعض التناقضات التي تروي نفس الحدث و لكن من زاوية مختلفة مثل التفسير العلمي لبعض المعجزات. ما المانع في تصديق العلم إن كان مبنيا على دراسة محققة و مثبتة علميا و ليس نظريات واهية. فإن كانت هذه المعجزات أحداث كونية عرفها بعض الأنبياء قبل حدوثها فهل ذا ينفي قدرة من صنعها و علاقته بمن أبلغ بها؟

بعد هذه المقارنات و غيرها تأتي الفترة الأصعب و القرارات الأشد صعوبة. هل –بعدما استطعت تنوير عقلك و الحكم بموضوعية دون تحييد من مجتمعك أو خوفك- تستطيع أن تجاهل بما علمت و صدّقت؟ هنا يكون الاختبار التالي, فهذا أشبه بهدم بعض الأصنام التي قدسها البعض و تختلف في قدسيتها حسب حجم الاستنتاج. فأنا هنا أتكلم عن أمور تتدرّج من مجرد اختلافات في عقيدتك الحالية -التي لابد و أن تكون قد زادت معرفتك بها بعد البحث و النقد و المقارنات- إلى هدم لأسس كان الناس يعتبرونها من المسلمات بها و حتى الانتهاء بتغيير عقيدتك –و هو الاختبار الأعظم-.
مثال لبعض الأمور التي خرجت بها حتى الآن:
1-    مع قول الله بأنه جاعل في الأرض خليفة, و استخدام وصف الجنة لوصف الآخرة و وصف الحدائق على السواء, و وسوسة الشيطان لآدم و حواء في الجنة, فأنا مع الرأي بأن الجنة كانت في الأرض طالما لم يأت في كتابي و سنّة رسولي ما يخالف ذلك.
2-    حسمت أمري بأن الحجاب هو الحد المطلوب للاحتشام و هو أساس العقيدة, و النقاب كان موجودا كعادة اجتماعية لا تخالف الشرع  فلم يمنعها الرسول إلا في الحج. فالإسلام جاء ليصحح لا ليهدم. و كذلك تقصير الجلباب كتهذيب للباس هذا العصر و هذه المنطقة. فالعقيدة رسمت الآداب العامة ولم تحدد خطا بعينه من الأزياء.
3-    لا يجب أن ننتظر في مجتمعنا أن يعترف المسلم بإيمان المسيحي أو العكس. فكل له كتابه (على الأقل بصورته الحالية) التي تدعوه لتكفير الآخر. فالمسلم هو تابع للنبي الكذاب, و المسيحي كافر لأنه قال ان الله ثالث ثلاثة. لذلك لا سبيل للتعايش إلا بعد الاعتراف بالحقيقة والتوقف عن النفاق. حينها يمكن العيش كما كان يحدث قديما في منطقة احترمها الجميع كالقدس و لكل دينه.
4-    لم تكن الديمقراطية يوما أساسا للحكم في أي دين. و لكنها ظهرت لمحاربة أي مرجعية متجاوزة (سماوية لا يمكن حسابها بالأرقام). و لأن التاريخ يكتبه المنتصرون, و لأن القوي هو من يضع القوانين, أصبحت الديمقراطية هي الخيار الوحيد للحكم.

هذه أمثلة حاولت تنويعها. قد تكون بسيطة على قدر ما وصلت إليه. و لكن ما أعرفه أنها جاءت عن اقتناع. لذلك أسعد بها لأنها لم تأتني مع الولادة ولكني اكتسبتها مع الوقت و بتوفيق من الله الذي ازداد إحساسي و يقيني بوجوده. و قد تكون بداية لبحث أعمق أهدم أو أبني فيه أشياء أكبر.

و رغم كل ذلك, أعترف بضآلتي أمام ثبات و ثقة من رأيتهم أو حدّثتهم ممن قرروا تغيير دينهم عن اقتناع و بحث. (و يا الله! كانوا يتحولون للإسلام -تحديدا- في مجتمعات تعاديه)

Saturday, May 19, 2012

البحث عن دين: 2- من أين أبدأ



بعدما سردت الأسباب التي تجعل الرحلة ضرورية, وجدت المشكلة التي أجدها في أي مجال جديد أدخله: من أين أبدأ؟
هل أثق في رأي من حولي؟ هل أستمع للإعلام؟ هل أحضر دروسا؟ هل أكتفي بمن سبقني و أستمع لخلاصة شخص درس الأديان؟

و لأنني أصبحت لا أثق ببني آدم بشكل عام, و لأن الثقة تقل يوما بعد يوم مما أراه و أسمعه, وجدت أن الحرص مطلوب في معرفة خياراتي و فوائدها. و هذه هي الآراء التي وجدتها:

  • "اسأل أهل العلم و تعرف من خلالهم لماذا دينك عن غيره, و قوّ معرفتك بدينك": من هذا الرأي توجد فائدة, إيجاد مميزات الإسلام عن الأديان الأخرى و معرفة عيوبها. و منه كانت الآراء الأخرى في أن أقرأ و أستمع لمن يشكر في المسيحية و يهاجم الإسلام, أو موقع ملحد ينتقد الأديان. فمن سيجد ثغرات و عيوب الأديان أفضل من معارضها سواء كان له دين أو ملحد؟
  • الحوار: و حيث أن المجال في بلدي ليس مفتوحا للمناظرات, فقد وجد طريقين: الأول هو مشاهدة مناظرات على مستوى القمة, و وجدت أن المناظرات الشهيرة كانت لرجال مثل أحمد ديدات و ذاكر نايك و غيرهم و من يقابلهم من رجال الدين المسيحيين المعروفين بالمناظرات أو التبشير. و الطريق الثاني هو الحوار مع مواطنين مثلي يدينون بالمسيحية أو اليهودية, و هو الأمر الصعب لأمر غير معتاد في مجتمعنا فكان في أضيق الحدود مع زملاء لي في فترة الدراسة أو عبر الإنترنت في الشبكات الاجتماعية. ميزة الحوار – و بخاصة بين الأفراد العاديين- هي معرفة ما يقال عن ديني و عن دينهم و مدى عمق الدين في حياة عيّنات أفترض فيها أنها تعمل و تفكّر. ربما ليس ذلك بالمجال الجيد للعلم أو حتى لأخذ مؤشرات, و لكنه جيد لكسر الحاجز و معرفة مدى وصول ديني للأفراد و مدي وصول دينهم لي من الخلال الوسائل اليومية من إعلام و تجمعات دينية.
  • تعرّف على الدين لا على المتدينين: هذا هو الرد التقليد لأي شخص يجد من يهاجمون دينه كنتيجة لتصرف بعض المنتمين لذلك الدين بشكل خاطئ. و هذا هو طريق آخر: أن تقرأ كتب الدين بعيدا عن تصرّفات الأشخاص الذين ربما يعملون بالتعاليم كاملة أو حتى يتركونها كاملة. هذه هي العودة للأصول.

من هذه الطرق, ماذا كان الطريق الأمثل؟ جوابي كان: كلها. فكل طريق ليه ميزته التي لا توجد في الطرق الأخرى.


هناك أمر آخر لابد أ يوضع في الاعتبار أيا كانت الطريقة التي يختارها الإنسان: الالتزام بشروط و آداب المناقشة و البحث العلمي. و هذه هي الشروط التي رأيتها واجبة و وجدت أن كل جهدي سيكون إلى زوال و بلا فائدة إذا لم ألتزم بها:

  • التزام الحيادية في البحث و الحوار, فلا فائدة من "بحث" حقيقي إن كنت قد اتخذت قرارا مسبقا. فهذا سيسمى اطلاعا لا بحثا حقيقيا.
  • عدم وضع أي أمر محل مقارنة لحين فهمه بشكل كاف و معرفة تفسيره و الأمور المرتبطة به من توقيت و بيئة.
  • فتح العقل و القلب و عدم الخوف من الاقتناع بما تقرأ طالما أنك تبحث عن الحق و تثق في عقلك و قلبك و فطرتك. فكما لا يمكنك أن تقنع شخصا قد اتخذ منك موقفا دفاعيا, لا يمكنك أن ترى الحق طالما أنك أغلقت عقلك و قلبك من قبل أن تقرأ أو تسمع.
  • و أخيرا, أذكّر نفسي بأنني لو كنت في عصر الرسالة فهل كنت سأؤمن بالنبي المرسل؟ أم كنت سأغلق الباب على نفسي و أكتفي بالموت على دين آبائي و أجدادي؟ هل كنت سأستمع لهذا النبي المرسل (صادقا كان أو مدّعيا) أم كنت سأشارك الجماهير و رجال ديني أو كهنته في إهانته أو الصد عنه دون تفكير؟

تلك كانت الطريقة التي انطلقت منها و بها. و إن كان في العمر بقية, أكتب ما يفتح الله عليّ به بعد هذه المرحلة.

Saturday, May 5, 2012

البحث عن دين: 1- المقدمة


منذ عدة شهور تقترب من السنة, كنت في رحلة فكرية و روحية بين مناظرات دينية و كتب و دروس لكي أتأكد من اختياري الصحيح لديني و أنني لا أدافع عنه بحكم ولادتي فيه. و كانت غايتي أن أشارك بخلاصة ما مررت به و أعلن الشهادة بشكل رمزي كدليل عن اختياري للإسلام عن علم لا ولادة. و لكن كما يقال: كلما زاد علمي زاد جهلي, و طالت الرحلة بشكل مطّرد لم أتخيله عندما بدأت. لذلك فكرت في أن أرتّب أفكاري تحت عناوين محددة لتزداد الرؤية وضوحا. و لكي أفيد بما فكرت و أستفيد من المناقشات أو الملاحظات.

بدأت بوادر الرحلة منذ سنوات قليلة, عندما كنت أعطي ملاحظة هنا و ملاحظة هناك عن عادات يومية أو طقوس عبادة مثل: طريقة الجلوس الصحيحة في الصلاة, سبب الصلاة بعد أذان الجمعة و قبل الخطبة, إنسانية ذبح حيوان أو طائر, أصل منديل كتب الكتاب و سبب قول "على مذهب الإمام فلان" .. إلى آخر الملاحظات. و مع الوقت وجدت نفسي أبتعد عن الشاطئ إلى الأعماق, و لا أعرف إن كان بسبب حب العلم أم استجابة لدعوات بيني و بين ربي أم هي إرادة الله التي تسبق أي سبب من ناحيتي لحكمة لا أعلمها.

تمر الأيام و الشهور و أجد أن هذه الطريقة في النقد و الاطلاع ليست كافية, فما أدراني من الأساس أن ديني هو الدين القويم؟ و إن تمنيت أن أكون موجودا في عصر الرسالة -كما يدّعي الكثيرون- فهل كنت سأتحلى بالشجاعة للتعرف على الدين الجديد ثم الدخول فيه إن أقنعني و أترك دين آبائي (اليهودية أو المسيحية أو أي دين آخر)؟ فأنا أجد كثيرين يغضبون لدينهم و يدافعون عنه دون أن يتعرفوا على الأديان الأخرى. و حتى حين يتعرفون عليها فَهُم يأخذون الطريق الخاطئ. فلا يصح أن أعرف عن المسيحية من مسلم, ولا عن الماركسية من يهودي, و لا عن الإسلام من مسيحي. ذلك لأن قليلون هم من يسردون الحقائق أو الأفكار بحيادية دون أي إضافة أو تعليق. و كذلك لا يصح أن آخذ معلومة عن دين من مواقف عامة من أناس لا أعرف مدى التزامهم بدينهم.

و من هنا انطلقت لرحلة أكبر لم تنتهي حتى لحظة كتابتي هذه, بين تعرّف على جوانب الدين الإسلامي و الجماعات التي ظهرت منه (سنية\شيعية\صوفية\معتزلة...), و قراءة الكتب الأخرى (التوراة و الإنجيل) و دراسات فيها, و مقالات تهاجم الإسلام خاصة أو الدين عامة, و مناظرات .... لأجد أن قضية الدين هي قضية مستمرة. فكل دين قرأت عنه وجدت فيه ما لم أجده في أتباعه و كأن الأتباع أصبحوا ينفذون الأوامر و النواهي بشكل طبيعي يتأثر بالمجتمع و التاريخ و الأهواء الشخصية. فليس كل من يحمل لقب الإسلام ينفذ تعاليمه, ولا كل من يحمل لقب المسيحية ينفذ تعاليمها. و هنا زاد الأمر صعوبة. فعلى أي أساس يقيّم كل إنسان دينه أو دين الأخرين؟ و على أي أساس تهاجم وسائل الإعلام هذا الدين أو ذاك؟

لا أعرف إن كانت تلك الرحلة ستصل لشاطئ أم لا, و لكن ما أعرفه أن هذه الرحلة مثل رحلات كثيرة قرأت عنها في الروايات: ترجع منها بأحداث و أناس لم تكن لتعرفهم لو لم تركب السفينة بحثا عن الكنز المجهول. و ذلك ما أحاول أن أستزيد منه و أتحدث عنه بشكل منظم لنفسي و لغيري. لست بالعالِم لكي ألقي محاضرة, و لكنها ملاحظات من إنسان عادي يبحث عن حقيقة ما.

كانت تلك مقدمة منطقية و استهلال لابد منه لأحاول أن أدخل القارئ داخل عقلي ليرى دوافع رحلتي و ربما يفكر في رحلته الخاصة.


Friday, March 23, 2012

جوائز نوبل, ثم ماذا؟

عندما كنت في المدرسة كنت كالعادة مضطرا لأن أحفظ عن ظهر قلب. و مع كثرة المواد و كثرة ما يجب حفظه, لم أجد وقتا كبيرا للتفكير فيما أسمع أو أناقش فيه. هل الخلية هي وحدة بناء الإنسان أم الذرة التي تكوّن ما بداخل الخلية؟ لماذا نحفظ أن أول إنسان هو آدم و أيضا ندرس أصول الحيوانات التي تؤدي (و إن لم تقال) إلى الإقرار بنظرية التطور؟ .. و لكن جاء وقت التنظيف و إعادة ترتيب "الخرابة" التي تركها التعليم في عقلي, فجاء هذا السؤال: لماذا نفخر بعلمائنا و رجالنا الذين أخذوا جائزة نوبل؟ و ما الفائدة الي حدثت من ورائها؟ ثم مررت على الشخصيات فردا فردا لأجد أن ظنوني تبدو في محلّها. لا أجد فائدة, و إن وجدت فهي لم تكن تصب في مصلحتنا (الكلام هنا عائد على المصري أو المسلم أو العربي). لأبيّن ما أقصده بقليل من التفصيل دون تطويل:

محمد أنور السادات: 1978
حصل على جائزة نوبل في السلام بعد معاهدة السلام مع كيان إسرائيل. تلك المعاهدة التي تخرج علينا كل يوم مصائب مرتبطة بالمعاهدة, من أمور اقتصادية و سياسية و عسكرية. فهل كانت معاهدة "عن قوة" كما يلقنوننا؟ أم معاهدة للخروج من مأزق؟ و ما هي الفوائد التي عادت من المعاهدة؟ هل كانت على المدى القريب فقط؟

نجيب محفوظ: 1988
حصل على جائزة نوبل في الأدب عن رواية "أولاد حارتنا". تلك الرواية التي تحمل تشبيهات كاملة لله و الناس و العلاقة بينهم و التي تنتهي بموت الله (جبلاوي في القصة). و هذا ليس تفسيرا شاذا للقصة و لكنه من نصّ خطاب البروفيسور السويدي ستور ألن عند تسليم الجائزة. من بين كل الروايات لنجيب محفوظ و التي أثّرت في المجتمع و شكّلت ثقافته, تأتي هذه الرواية التي نادرا ما تجد من يعرفها أو يعرف عمّ تتحدث. بل إنني تفاجأت منذ عدة شهور عندما وجدت ذلك الوصف في الخطاب الرسمي لتسليم الجائزة على الموقع الرسمي. و الآن, ما تأثير هذه الرواية على مجتمعنا أو الحياة الأدبية به؟

أحمد زويل: 1999
حصل على جائزة نوبل في الكيمياء عن اختراع الفيمتوسكوب الذي يصوّر تفاعلات الجزيئات على مستوى وحدة صغيرة من الوقت سمّيت بالفمتوثانية. إنجاز لا يمكن إنكاره و فتح مجالات جديدة للبحث على مستوى أدق. ثم ماذا؟ ما الفائدة التي عادت علينا من الجائزة سوى ذِكر اسم مصر و التكريمات المستمرة لعالم المصري و استقباله كشخصية عامة؟ ما قرأته في كتاب "عصر العلم" الذي كتبه أحمد زويل أن أبحاثه في النهاية كان يشارك في تمويلها مراكز بحثية و جهات عسكرية. و عندما تعود الفائدة فهي قد عادت لهذه المؤسسات و للولايات المتحدة. و قد أعجبني وصف رغم غلظته: العالم الأمريكي ذو الأصل المصري. ما أعجبني في الوصف هو تحديد علاقة مصر بهذا العالِم الذي لا أنكر مصريته و لكن لا أجد إنجازاته في مصر. و إن ظهرت فائدة فليس في الاختراع الذي حصل بسببه على الجائزة و استفادت منها الولايات المتحدة, و لكن في توظيفه كشخصية عامة (مدينة زويل كمثال).

محمد البرادعي: 2005
حصل على جايزة نوبل في السلام لجهوده في الحفاظ على استخدام الطاقة النووية في الأهداف السلمية و منع استخدامها لأهداف عسكرية (من موقع الجائزة). و بالرغم من احترامي الكبير لدكتور محمد البرادعي و دفاعي عنه ضد إشاعات عبيد الإعلام (الرسمي من بيع العراق إلى زوجته الأجنبية) و شهادة شيمون بيريز الرئيس الحالي لكيان إسرائيل بأن الأمور أصبحت أفضل بعد تركه لمنصبه كرئيس للوكالة الدولة للطاقة الذرية, إلا أن جائزته هذه لم تكن لنفعه لنا (مصريين, مسلمين, شرقيين, عرب ..) و إنما لنفعه للدول الاستعمراية التي حوّلت نشاطها من استعمار عسكري لاستعمار اقتصادي و توجيه باستخدام الوكالات الدولية. فقوانين الوكالات الدولية لا تطبّق على الولايات المتحدة أو روسيا أو حتى إسرائيل مهما حاول. هي فقط تطبّق على كوريا الشمالية و العراق و باكستان. وكالة لا تسعى إلا لحفظ موازين القوي لصالح الدول الكبري التي يعلم الجميع امتلاكها لأسلحة نووية بشكل علني.


و بعد كل هذا, هل سنزال نضع الأسماء الرنانة للجوائز الغربية و تصفيق الغرب موضع اهتمام؟ متى نكرّم علامائنا بدلا  من اهتمامنا بمن كرّمهم الغرب؟ متى نهتم بنتائج العلم لا نتائج التكريم؟ متى تنزل الحكمة على رؤوس المصريين (أو العرب أو المسلمين) بدلا من أن تنزل على ألسنتهم؟

Monday, March 19, 2012

يوم في جنة الكتب

photo by @NermeenEdrees


منذ أيام قليلة كنت في ما يمكن أن أسميه "معرض خيري مصغّر للكتب" (لا أعرف وصفا دقيقا مختصرا للحدث) كان كل هدفه هو بيع الكتب المستعملة من أجل جمع التبرعات. كان يوما ذهبت فيه لمكان لا اعرفه في حدث لا أعرف كيف يسير وسط أناس لا أعرفهم. و ذلك شيء عادي و مفيد في بناء علاقات جديدة و دخول تجارب مختلفة. و لكن ما وجدته كإحساس عام هو ما أعجبني كثيرا. ما جمع بعض الأشخاص في مكان واحد كان تركيبة من مواصفات جميلة سعدت بتواجدها في هؤلاء الأشخاص: الثقافة العامة و حب القراءة, العقل المفكّر الغير مقيّد بحواجز وهمية, حب الخير و التطوع في أنشطة مختلفة, وضع خطط مستقبلية واضحة في الحياة ... إلخ. إحساس جميل أن تبقى لفترة وسط مجتمع مصغّر رغم الاختلافات في تفكير أفراده و اتجاهاتهم و مجالات عملهم إلا أنهم جميعا متشابهون يتعاملون بنفس الحب تجاه ما يمارسونه و يتناقشون في مشاكلهم المشتركة بدئا من أكوام الكتب و حتى المناقشات السياسية و الاجتماعية.

كل ذلك حتى الآن هو أمر طبيعي يتكرر في مناسبات مختلفة, و لكن ما لفت نظري كان مشهدا ربما لم يتعدّ عدة دقائق من التركيز ثم استمر انبهاري به حتى انتهى اليوم. فتاة تدخل و على وجهها مزيج من الدهشة و الفرح و الصدمة. تتنقّل بين الكتب العربية و الإنجليزية جيئة و ذهابا. ترفع الكتب بهمّة لكي لا تفوّت أي كتاب في أسفل الصف. تجلس على الأرض لتراجع الكتب على المنضدة المنخفضة. تنطق كل فترة بكلمات مقتضبة مثل: الموضوع كبير, لأ لازم قعدة ... إلى آخر الكلمات التي تصف ما تشعر به و يؤيدها ما تفيض به نبرة صوتها و انطباعاتها. أفضل وصف وجدته يظهر في رأسي هو ما أراه من انطباعات الأطفال في محلات اللعب و الحلويات و هم يمرحون بين الممرات. لحظات وصفت الحب الأعظم للكتب. لحظات كانت كافية لبثّ روح جميلة في المكان و التأثير في مجموعة من الناس تراقب ما تفعله و تريد مساعدتها. ربما كان ذلك هو االمشهد الرئيسي الذي أذكره من ذلك اليوم و تليه مشاهد أخرى. فكيف يمكن أن يشعر شخص بمثل هذه الفرحة؟ نعم نحن نفرح و نستمتع و نفاجأ من موقف ما أو كتاب ما أو شخص ما, و لكن أن تصل السعادة إلى درجة تفيض فيها على الصوت و التصرفات, فذلك ما كان مميزا في هذا المشهد.

ربما يرى البعض أنني أبالغ في الوصف أو أضيف لمسات صوفية على الموقف, و لكن ذلك هو ما حدث, و ذلك هو ما رأيت, و ذلك ما كان بمثابة قطعة كرز أتمّت زينة اليوم الجميل.

من الجميل أن يبقى العقل في اتصال مع العقول الأخرى التي تمدّه بالطاقة و تصفّي روحه للاستمرار, و أن يلاحظ بعض المواقف الصغيرة التي قد تعدّل من مزاجه لساعة أو يوم أو عدة أيام.

اللهم أدمها نعمة, و احفظها من الزوال.

Wednesday, March 14, 2012

الأسطورة تقول, لا يوجد رجال في مصر


كلمات زادت في الفترة الأخيرة عن: إحنا الستات نازلين عشان حقنا ولا عزاء للرجال, مابقاش فيه رجالة, أرجل ما فيكي يا مصر بناتك.

و إن وافقت فسأوافق على الجملة الأخيرة و أهديها لمدمنات المسلسلات التركية اللاتي دائما ما ينظرن و يهمن حبّا في "مهنّد" و "عدنان" و "مصطفى" من باب: "انظرن لأنفسكن أولا". و بالطبع ستكون جملة من باب العند و الاستفزاز لا السخرية. فإن كانت الفتيات صغيرات أو لا تعرفن شكل الحياة العامة فإن شاعرا قال ما يقوله كثير من الشباب "صاحب النخوة":
سأترك حبكم من غير بغضٍ   وذاك لكثرة الشركاء فيه
واذا سقط الذباب على طعامٍ   رفعت يدي ونفسي تشتهيه



و لكن للأسف هذه الجمل السابق ذكرها و غيرها تقال عند إهانة فتاة لتخرج مناشدات بأن الإهانة للفتاة أو السيدة تحت مرأى و مسمع من الرجل الذي لا يتحرك و قد ذهبت النخوة ... إلخ. و كل هذه تحت مسمى "الحركات النسائية". و مع الكثير من الشكر و إظهار الفخر لإنجازات النساء و المطالبة بالحقوق عديدة في مناسبة مثل "اليوم العالمي للمرأة".

لا أفهم هذه التفرقة الغربية الآخذة في الازدياد و التي تعتبر من يخالفها أو ينتقدها متخلفا أو ديوثا أو صاحب فكر رجعيّ. ما أراه أن هذه الحركات النسائية و الأصوات المؤنثة الجماعية بدأت تخرج عن أسبابها الأساسية من المطالبة بكسر القيود المفروضة على المرأة للتحوّل إلى أنانية و انغلاق لا يطالب بالحقوق إلا للمرأة ككائن مستقل. وهذا التحول لا أجد له وصفا أفضل من وصف الدكتور عبد الوهاب المسيري رحمه الله, و هو التحول من تحرير المرأة إلى "التمركز حول الأنثى" و فصلها عن الأسرة ككيان واحد يجمع كل أفرادها. و إن كان هناك إهانة للمرأة فأراها في الاستغلال الجسدي المستمر و المطّرد للمرأة "الجميلة فقط" (ها هو تمييز آخر) كمضيفة طيران أو موظفة في قاعة استقبال أو فتاة إعلان أو متحدثة رسمية أو مندوبة علاقات عامة أو سكرتيرة أو حتى تسجيل صوتي في خدمات التليفون. فهي تجارة صريحة بها و باشتهائها, و هذه هي الدياثة بعينها التي لا يتحدث عنها أحد!

أرجع إلى النقطة الأساسية التي تقول أن النخوة قد زالت و أن لا أحد يتحرك لإهانة المرأة الفلانية أو سحل الفتاة العلّانية. في نفس وقت المحاكمة لرجل هتك عرض فتاة, توجد قضية محاكمة مبارك و ولديه و العادلي و أعوانه لقتل المئات من شباب مصر و بناتها, هذا دون التطرق إلى القضايا الأخرى العديدة. و في نفس المشهد الذي يظهر سحل فتاة على يد قوات الشرطة العسكرية, يظهر الضرب المستمر لشاب على الأرض على بعد خطوات, و ضرب فتاة ذهبت للمساعدة, و ضرب رجل كبير في السن يحاول المساعدة أيضا! لا أقول هذه من باب التبرير للضرب, و لكن من باب الدعوة لترك التفرقة و القبلية.

من يحب الجمل الرنانة دون التفكير فيها سيحب الجمل المذكورة في أول التدوينة. و من يحب إطلاق الاتهامات دون تفكير لن يغيّر من موقفي و إصراري على التفكير عندما يتهمني بالرجعية أو قلة النخوة. فحتى المثال الشهير لاستغاثة امرأة بقولها: "وامعتصماه" كان في أحداث مختلفة حيث دولة العدل قائمة ولا يوجد ما يوجد الآن من تعدد للمشكلات و القضايا التي تشمل كل "المصريين" برجالهم و نسائهم و حيواناتهم. هل الأنثى فقط من تخرج في مظاهرات؟ هل الأنثى فقط من تخرج في حملة "كاذبون"؟ هل الأنثى فقط من تهتف ضد العسكر؟ هل الأنثى فقط من تختارها رصاصة أو حجارة؟

لماذا الانسياق وراء الكلمات الرنانة التي رددتها كثيرات مش شمطاوات الحركات النسائية اللائي استخدمن نفس المصطلحات التي استخدمتها نساء تردن حقوقهن بل زدن عليها ولا تردن إلا تنفيس لغلّ و عقد نفسية و إرضاء لمثيلاتهن في الغرب؟ و لكي لا ألقي الاتهامات جزافًا, فلننظر إلى حال المجلس القومي للمرأة في عهد سوزان زوجة مبارك, و لنشتمّ رائحة العنصرية التي مازالت في الأجواء حتى الآن, و التي حوّلت الحركات النسائية من مطالبات بكسر الحواجز أمام مستقبل المرأة في المجالات المختلفة و إعطائها حقوقها ( من أيام صفية زغلول التي لي عليها يعض المآخذ) إلى العودة للانغلاق مرة أخرى ولكن هذه المرة حول الأنثى.

لألخّص ما أقول مرة أخرى: الحركات النسائية تحوّلت من هجوم على "مجتمع ذكوري" إلى مطالبة بـ"مجتمع أنثوي", أي من التطرف إلى التطرف. و قبل ترديد جمل رنانة أو اتهامات غربية جاهزة, لنفكّر فيما نقول.

استقيموا يرحمكم الله.

Saturday, February 25, 2012

انهيار مشروعك يبدأ من الزواج

إذا كنت تحلم بمشروع خاص بك, و تريد الزواج في وقت قريب, فربما تحتاج لتأجيل أحد المشروعين. لماذا؟ 

الزواج هو بدء حياة جديدة تحتاج من الإنسان المزيد من:

1- المال: و بعد بعض الحسابات بناء على ما أراه من حولي لبدء حياة متوسطة وجدت المصاريف تتعدّى 250000 ألف جنيه كمصاريف أساسية (قد يكون مدفوعا مقدما أو بأقساط أو ديون) غير المصاريف المستمرة. ربع مليون جنيه يعيدك إلى نقطة الصفر مع فرص أضعف للادخار من جديد.

2- الوقت: فالزواج يتطلّب مشاركة في الأمور الحياتية المعتادة للزيارات و النزهات و غيرها. و بوضع أوقات العمل و النوم, يتبقى القليل جدا للعمل على شيء آخر.

3- المسئوليات تجاه أفراد إضافية: فعندما يفكر الإنسان في أي مجازفة قد تؤثّر عليه ماديا أو نفسيا أو تهدد حياته فإنه يفكّر في العوامل التي تحيط به, و ها قد زاد العوامل. بالإضافة للمسئوليات الجديدة كربّ أو ربّة أسرة. (ربما التذكير بمجازر و شهداء الثورة قد يوضّح المثال).

4- المجهود العضلي و الذهني لإدارة كل هذه الأمور الجديدة المضافة: كل الأمور السابقة لا تتم من تلقاء نفسها, فلابد من أبسط أشكال التنظيم على أقل تقدير. و هذا ما أراه مشتركا بين الأزواج التقليديين حتى تكاد الأنماط تتكرر في الزيارات العائلية و نظام الأكل و مصاريف المدارس و الأعياد و المصايف ... إلخ

بالنظر لهذه النقاط, أجدها نفس النقاط التي يحتاجها من يريد بدء مشروع خاص. فهو يحتاج مال و وقت و التزام و حسابات المخاطرة و مجهود إضافي. فإذا كنت تمتلك هذه المقومات أو تسعى لامتلاكها. فهل تستهلكها في الزواج؟ أم تستهلكها في مشروعك؟ في الحالتين لابد من تضحيات, و الحل الوسط هو ضربة قاتلة لكل من الزواج و المشروع الخاص, فأنت لن تحصل إلا على نصف إمكانيات زواج و نصف إمكانيات مشروع.

هناك من أحدّثه في الزواج فأجد أنه لا يعلم لماذا يتزوّج إلا لأن الناس لابد لهم أن يتزوّجوا, و ينجب لأن الناس لابد أن تنجب. و ماذا تعرف عن التربية؟ لا شيء. كما تربّى سيربّي, مع بعض من الحذف و الإضافة. و رغم أن بعض علماء الدين يقولون أن العفة في حد ذاتها هدف للزواج, إلا أن كثيرين أصبحوا ينفّذونه كعادة لابد منها, فمن يطلب العفاف قد يؤجّل الإنجاب حتى ينضج أو يسدد ديونه أو يستقر في حياته, و لكن ذلك لا يحدث. و بهذا يضيع كل ما يملك دون فائدة تذكر و بالطبع دون تخطيط. فقط تزاوج و إنجاب و تربية ثم تزويج و موت. لا يختلفون كثيرا عن أي قبيلة من القرود.

أما من أحدّثه عن مشروع يضع فيه كل ما يملك من موارد و مجهود, فأجده يخطط جيدا لكيفية الاستفادة من الموارد و ما يريد أن يصل  إليه في خلال عدة أشهر أو سنوات. فهو يعرف قيمة ما يضعه في هذا المشروع ولا يريد أن يخرج من هذه المعركة خالي الوفاض.

و بما أن السائد هو ثقافة القطيع و العادات و التقاليد التي تطغى على أي تفكير أو اجتهاد (و الأمثلة كثيرة, من اختزال الدين في اللحية كعنصر ذو التأثير الأكبر, و اختزال الحجاب في قطعة قماش تغطي أجزاء من الرأس بمصاحبة الـ"كارينا" و الـ"سكيني", إلى سب الدين مع الحفاظ على صلوات و صيام هذا الدين), أصبح الأسهل و الطبيعي هو خيار قطيع القرود دون ذكر أسباب الإنسان "المسلم" في الزواج, و بالطبع دون التطرّق للكلام الفضائي الذي يدعو للتفكير و التخطيط.

تلك هي نظريّتي التي فكّرت كثيرا فيها. و سواء كنت أصبت أم أخطأت, فبالتأكيد كلامي أفضل ممن لم يفكّر من الأساس. أفمن يفكّر كمن لا يفكّر؟ كل ما عليّ هو أن أفكّر و أتعلّم و أستشير و أستخير. فليس كل ما تراه "الأغلبية" صحيحاً (و اسألوا الدين و التاريخ).

Sunday, January 29, 2012

اذهب إلى الحديقة

في الترجمة العربية للأفلام الأجنبية نرى جملة: "اذهب إلى الجحيم". و في كثير من الأحيان لا تكون ترجمة حرفية. و مع تكرار هذه الجملة -بل و استخدامي لها في بعض الأحيان- بدأت أفكّر فيها كثيرا. هذه الجملة - و أشباهها من كلمات الإهانة- لها أضرار متعددة, و بالتحديد ثلاثة أضرار بين الناس:

1- ضرر على القائل: فهذه الجملة تعكس العنف بداخل الشخص الذي أصبح لا يطيق الشخص الذي أمامه, بل و تعدّى ذلك لتمنّي الشر. فعلى المدى الطويل يؤثر ذلك السلوك على طبيعة الشخص و عاداته. و كما تقول المقولة الشهيرة: بناء العادة يحاج لـ21 يوم. فأنا إن تعوّدت على السبّ و اللعن سأجد البذاءة تخرج من فمى دون أي مجهود يُذكَر. ناهيك عن تعكير المزاج و إفساد اليوم -أو عدة أيام\شهور-.

2- ضررعلى المستمع: هذا الشخص أيا كان سلوكه, سواء كان على صواب أو خطأ, سيتأثّر ما يسمع. فالسلوك العنيف -ولو بالقول- سيستفزّ المستمع و ربما يكون دافعا له لمزيد من العنف -ولو بالقول-. و نتيجة لذلك يكون القائل متسببا في كثير من الضرر على نفسيته\عاداته و نفسية\عادات غيره. فلو كنت تؤمن بـ"الصدقة الجارية", فربما تفكّر في "السيّئة الجارية" التي تشابهها.

3- ضرر على العلاقة بينهما: عندما يفترق شخصان, قد تظل العلاقة بينهما جيدة. فذلك لم يستطع الحياة مع زوجته, و تلك لم تحتمل عادات زميلتها في العمل ... و لكن رغم ذلك تجد حالات افتراق بأشكال مختلفة مع استمرار المعرفة الحسنة في أضيق الحدود. و لكن عندما تقطع علاقة ما بأسلوب مهين أو طريقة عنيفة, فلا تتوقع أن تستمر مثل هذه العلاقة ولو بإلقاء السلام. فإن لم تهمّك العلاقة الإنسانية, ففكّر في العلاقة المادية. لربما تجد هذا الشخص في منصب رفيع بعد عدة سنوات, و لربما تجد هذه الفتاة المهمَلة في موقع حيوي بعد أشهر من إهانتها. فلِمَ تضيع مثل هذه الفرص التي تفوق احتمالاتها الجيدة أضرارها؟

خلاصة القول أن العنف لا يحصد إلا عنفا. و طالما لم أجد فائدة من السلوك العنيف -و إن كان لا غنى عنه في بعض الحالات- فلِمَ لا أسلك الطريق السلمي؟ و هل سأجد فرقا إن ذهب هذا الشخص إلى الحجيم أو إلى شاطئ البحر؟
لماذا لا أستبدل "اذهب إلى الحجيم" بـ "اذهب إلى الحديقة"؟
فطالما لا أحتمل ذلك الرجل أو تلك المرأة, أو رأيت أذى من التعامل معهم, ولا توجد فائدة واضحة من اشتباك عنيف, فلماذا لا أستمتع براحة أعصابي و صفاء ذهني و أطلب منهم الذهاب -أو أذهب أنا- مع الحفاظ على بعض الخيوط الرقيقة بيننا؟

الأمر في النهاية هو حساب لمقدار المكاسب و الخسائر في العلاقات الإنسانية. و كلّ حرّ في استراتيجيته.

Wednesday, January 18, 2012

ماذا لو اختلف وصف الجنة

بداية أقول ان هذه التدوينة لا تصل إلى أي استنتاج -و لا أتوقع أن تصل- و لكنها نزهة تفكير ذهبت بها عندما حاولت أن أفكّر في الفرق الشاسع بين تفكير العبد المخلوق و الرب الخالق. و السبب في تدوينها و عدم تركها داخل رأسي هو أنه ربما يصطدم أحدهم بهذه التدوينة و يجد أن فكرتي المكتوبة مشابهة لفكرته, و عندها يعلم أنه ليس وحده في هذا العالم, و أننا كثيرون و لكننا لا نتقابل, أو ربما نخاف من التعبير عن أفكارنا.

كنت منذ عدة أيام أفكّر في وصف الجنة, و في النقاء الذي يسعى إليه الإنسان, و طبيعة الإنسان الأرضية, ثم ظهر في رأسي هذا التساؤل: هل بعد أن يصل العبد لدرجة من الخوف أو الحب أو الخشوع تجعله يستغني عن البذخ و الإكثار من المتع أيا كان نوعها, هل سيريد حقا أن ينعم بهذه الأشياء في الآخرة إلى الأبد؟ إلى مالانهاية؟ ألا يفترض بالإنسان أنه يصل لدرجة من النقاء قبل دخول الجنة (ونزعنا ما في صدورهم من غل)؟ هل ستظل أفكارنا بنفس دنيويتها؟ هل سنظل نشتاق للمتع الأرضية حتى بعد أن نرى الله و الملائكة و نري مجتمعا جديدا لا يرى قيمة لما نقدّره نحن؟ ماذا لو كانت الجنة مختلفة؟ مجرد افتراض جدلي, ماذا لو كان وصف الجنة هو مجرد تشويق لنا و نحن مازلنا في حالة تشوّق لكل ما هو أرضيّ من النعم؟

لأوصل تفكيري بشكل أفضل, سأضرب مثالا من حياتنا الأرضية. عندما يحث الأبوان أطفالهما على الاجتهاد في المذاكرة و دخول أفضل الكليات و المعاهد العلمية و العمل في أرفع و أندر المواقع, هل يبدؤون مع الطفل ذي الأربع سنوات بقولهم: إذا اجتهدت من الآن سنهديك محاكيا للفوتونات و لربما تصبح لائقا للعمل في يوم ما على أحد مصادمات الجزيئات الدون ذرّيّة؟ أم أنهم ينزلون لمستوى الطفل الصغير و يقولون "علشان ننبسط منّك" أو "عشان نروح جنينة الحيوانات في الأجازة" أو "نجيبلك شوكولاتة كبيرة من اللي بتحبها" .. إلى آخر الأمثلة التي نسمعها؟ على الرغم من أن الطفل إذا كبر و وصل إلى مستوى متقدم من العلم فسيعرف قيمة هذه الأجهزة و التجارب المعقّدة و أنها لا يمكن مقارنتها برحلة لرؤية حيوانات حبيسة أو أكل قطعة كبيرة من الحلوى, إلا أنه حتى يكبر سيظل متعلقا بأشياء تفقد قيمتها كلما كبر عقله و زاد استيعابه.

و بالرجوع لأفكاري -المختلّة في نظر البعض-, أفكّر في أن الله مطلق العلم بحيث لا نستطيع نحن البشر أن ندرك علمه, ولا تكفي أحبار الدنيا كلها لتدوين علمه. فكيف سيوصل لنا الله فكرة استحسان العمل الطيب و البعد عن الظلم و ترك الملذّات الزائلة؟ عقلنا البشري -بالرجوع للمثال السابق- هو عقل متدنٍّ جدا بالنسبة لعلم و حكمة خالقه, و بالتالي فالإنسان قد يترك إحدى اللذّات في الدنيا (قطعة شوكولاتة مثلا) لأجل لذّات مضاعفة في الآخرة (لوح كبيييييير جدا من الشوكولاتة), و لن يقتنع إذا وصف الله له -مثلا, فهو علم غيب- عالما نورانيا ترتفع فيه الروح كلما زاد نقاؤها. بالرغم من أن هذا العالم قد يكون أفضل بملايين المرات من عالمنا الأرضيّ بملذّاته, إلا أنه حتى هذه اللحظة لا يمثّل لنا شيئا ولا يحرّك همّتنا.

أردت أن أقول أن وصف الجنة كان يشكّل لي نوعا من الالتباس, ففي الجنة ما لا عين رأت و لا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر, و بالرغم من ذلك أجد وصفا لنخيل و أعناب و خمر و لبن و عسل و أرائك و حور عين (للرجال, و لا وقت للدخول في جدال وصف الحور العين للرجال و جزاء السيدات, و إن كنت أرشّحه للقراءة), و أجد وصفا لقصور من لؤلؤ و خدم يطوفون بالكؤوس. كل تلك الأشياء يوجد مثلها في الدنيا, و احتسابنا عند الله أن ما في الجنة سيكون له جمال فائق لما نعرفه و لذّة لم نشعر بمثلها. و من هنا جاءت الفكرة في أن هذه الأشياء ربما تكون تحفيزا للروح بما تعرفه من لذّة أرضية, ولا أظن أنني لو ارتفعت في المكانة (أسأل الله الجنة) و وجدت شيئا مختلفا تماما يناسب مكانتي الجديدة و هيئتي المختلفة أنني سوف أحزن. فالله قد وعدني بما يفرحنى و ينسيني أشد الابتلاءات (عن حديث سيدنا محمد صلى الله عليه و سلّم: يؤتى بأبأس أهل الأرض في الدنيا من أهل الجنة، فيغمس في الجنة غمسة واحدة، فيقال له: هل رأيت بؤساً قط، هل ذقت بؤساً قط؟، فيقول: لا، والله، ما ذقت بؤساً قط), و ها قد تحقق, فلمَ الحزن؟

كل ما أختم به (فلا أجد خاتمة مناسبة) هو أن الله يعرف ما نحبه و ما نكرهه, و هو الأدرى بما يناسبنا من ثواب و عقاب سواء في الدنيا أو الآخرة. و كما وعدت, لا يوجد أي درس كبير مستفاد أو استنتاج أكتبه, إلا مجرد تساؤلات عقل و شطحات إيمان و ثقة في الله.
Powered by Blogger.