Friday, March 23, 2012

جوائز نوبل, ثم ماذا؟

عندما كنت في المدرسة كنت كالعادة مضطرا لأن أحفظ عن ظهر قلب. و مع كثرة المواد و كثرة ما يجب حفظه, لم أجد وقتا كبيرا للتفكير فيما أسمع أو أناقش فيه. هل الخلية هي وحدة بناء الإنسان أم الذرة التي تكوّن ما بداخل الخلية؟ لماذا نحفظ أن أول إنسان هو آدم و أيضا ندرس أصول الحيوانات التي تؤدي (و إن لم تقال) إلى الإقرار بنظرية التطور؟ .. و لكن جاء وقت التنظيف و إعادة ترتيب "الخرابة" التي تركها التعليم في عقلي, فجاء هذا السؤال: لماذا نفخر بعلمائنا و رجالنا الذين أخذوا جائزة نوبل؟ و ما الفائدة الي حدثت من ورائها؟ ثم مررت على الشخصيات فردا فردا لأجد أن ظنوني تبدو في محلّها. لا أجد فائدة, و إن وجدت فهي لم تكن تصب في مصلحتنا (الكلام هنا عائد على المصري أو المسلم أو العربي). لأبيّن ما أقصده بقليل من التفصيل دون تطويل:

محمد أنور السادات: 1978
حصل على جائزة نوبل في السلام بعد معاهدة السلام مع كيان إسرائيل. تلك المعاهدة التي تخرج علينا كل يوم مصائب مرتبطة بالمعاهدة, من أمور اقتصادية و سياسية و عسكرية. فهل كانت معاهدة "عن قوة" كما يلقنوننا؟ أم معاهدة للخروج من مأزق؟ و ما هي الفوائد التي عادت من المعاهدة؟ هل كانت على المدى القريب فقط؟

نجيب محفوظ: 1988
حصل على جائزة نوبل في الأدب عن رواية "أولاد حارتنا". تلك الرواية التي تحمل تشبيهات كاملة لله و الناس و العلاقة بينهم و التي تنتهي بموت الله (جبلاوي في القصة). و هذا ليس تفسيرا شاذا للقصة و لكنه من نصّ خطاب البروفيسور السويدي ستور ألن عند تسليم الجائزة. من بين كل الروايات لنجيب محفوظ و التي أثّرت في المجتمع و شكّلت ثقافته, تأتي هذه الرواية التي نادرا ما تجد من يعرفها أو يعرف عمّ تتحدث. بل إنني تفاجأت منذ عدة شهور عندما وجدت ذلك الوصف في الخطاب الرسمي لتسليم الجائزة على الموقع الرسمي. و الآن, ما تأثير هذه الرواية على مجتمعنا أو الحياة الأدبية به؟

أحمد زويل: 1999
حصل على جائزة نوبل في الكيمياء عن اختراع الفيمتوسكوب الذي يصوّر تفاعلات الجزيئات على مستوى وحدة صغيرة من الوقت سمّيت بالفمتوثانية. إنجاز لا يمكن إنكاره و فتح مجالات جديدة للبحث على مستوى أدق. ثم ماذا؟ ما الفائدة التي عادت علينا من الجائزة سوى ذِكر اسم مصر و التكريمات المستمرة لعالم المصري و استقباله كشخصية عامة؟ ما قرأته في كتاب "عصر العلم" الذي كتبه أحمد زويل أن أبحاثه في النهاية كان يشارك في تمويلها مراكز بحثية و جهات عسكرية. و عندما تعود الفائدة فهي قد عادت لهذه المؤسسات و للولايات المتحدة. و قد أعجبني وصف رغم غلظته: العالم الأمريكي ذو الأصل المصري. ما أعجبني في الوصف هو تحديد علاقة مصر بهذا العالِم الذي لا أنكر مصريته و لكن لا أجد إنجازاته في مصر. و إن ظهرت فائدة فليس في الاختراع الذي حصل بسببه على الجائزة و استفادت منها الولايات المتحدة, و لكن في توظيفه كشخصية عامة (مدينة زويل كمثال).

محمد البرادعي: 2005
حصل على جايزة نوبل في السلام لجهوده في الحفاظ على استخدام الطاقة النووية في الأهداف السلمية و منع استخدامها لأهداف عسكرية (من موقع الجائزة). و بالرغم من احترامي الكبير لدكتور محمد البرادعي و دفاعي عنه ضد إشاعات عبيد الإعلام (الرسمي من بيع العراق إلى زوجته الأجنبية) و شهادة شيمون بيريز الرئيس الحالي لكيان إسرائيل بأن الأمور أصبحت أفضل بعد تركه لمنصبه كرئيس للوكالة الدولة للطاقة الذرية, إلا أن جائزته هذه لم تكن لنفعه لنا (مصريين, مسلمين, شرقيين, عرب ..) و إنما لنفعه للدول الاستعمراية التي حوّلت نشاطها من استعمار عسكري لاستعمار اقتصادي و توجيه باستخدام الوكالات الدولية. فقوانين الوكالات الدولية لا تطبّق على الولايات المتحدة أو روسيا أو حتى إسرائيل مهما حاول. هي فقط تطبّق على كوريا الشمالية و العراق و باكستان. وكالة لا تسعى إلا لحفظ موازين القوي لصالح الدول الكبري التي يعلم الجميع امتلاكها لأسلحة نووية بشكل علني.


و بعد كل هذا, هل سنزال نضع الأسماء الرنانة للجوائز الغربية و تصفيق الغرب موضع اهتمام؟ متى نكرّم علامائنا بدلا  من اهتمامنا بمن كرّمهم الغرب؟ متى نهتم بنتائج العلم لا نتائج التكريم؟ متى تنزل الحكمة على رؤوس المصريين (أو العرب أو المسلمين) بدلا من أن تنزل على ألسنتهم؟

Monday, March 19, 2012

يوم في جنة الكتب

photo by @NermeenEdrees


منذ أيام قليلة كنت في ما يمكن أن أسميه "معرض خيري مصغّر للكتب" (لا أعرف وصفا دقيقا مختصرا للحدث) كان كل هدفه هو بيع الكتب المستعملة من أجل جمع التبرعات. كان يوما ذهبت فيه لمكان لا اعرفه في حدث لا أعرف كيف يسير وسط أناس لا أعرفهم. و ذلك شيء عادي و مفيد في بناء علاقات جديدة و دخول تجارب مختلفة. و لكن ما وجدته كإحساس عام هو ما أعجبني كثيرا. ما جمع بعض الأشخاص في مكان واحد كان تركيبة من مواصفات جميلة سعدت بتواجدها في هؤلاء الأشخاص: الثقافة العامة و حب القراءة, العقل المفكّر الغير مقيّد بحواجز وهمية, حب الخير و التطوع في أنشطة مختلفة, وضع خطط مستقبلية واضحة في الحياة ... إلخ. إحساس جميل أن تبقى لفترة وسط مجتمع مصغّر رغم الاختلافات في تفكير أفراده و اتجاهاتهم و مجالات عملهم إلا أنهم جميعا متشابهون يتعاملون بنفس الحب تجاه ما يمارسونه و يتناقشون في مشاكلهم المشتركة بدئا من أكوام الكتب و حتى المناقشات السياسية و الاجتماعية.

كل ذلك حتى الآن هو أمر طبيعي يتكرر في مناسبات مختلفة, و لكن ما لفت نظري كان مشهدا ربما لم يتعدّ عدة دقائق من التركيز ثم استمر انبهاري به حتى انتهى اليوم. فتاة تدخل و على وجهها مزيج من الدهشة و الفرح و الصدمة. تتنقّل بين الكتب العربية و الإنجليزية جيئة و ذهابا. ترفع الكتب بهمّة لكي لا تفوّت أي كتاب في أسفل الصف. تجلس على الأرض لتراجع الكتب على المنضدة المنخفضة. تنطق كل فترة بكلمات مقتضبة مثل: الموضوع كبير, لأ لازم قعدة ... إلى آخر الكلمات التي تصف ما تشعر به و يؤيدها ما تفيض به نبرة صوتها و انطباعاتها. أفضل وصف وجدته يظهر في رأسي هو ما أراه من انطباعات الأطفال في محلات اللعب و الحلويات و هم يمرحون بين الممرات. لحظات وصفت الحب الأعظم للكتب. لحظات كانت كافية لبثّ روح جميلة في المكان و التأثير في مجموعة من الناس تراقب ما تفعله و تريد مساعدتها. ربما كان ذلك هو االمشهد الرئيسي الذي أذكره من ذلك اليوم و تليه مشاهد أخرى. فكيف يمكن أن يشعر شخص بمثل هذه الفرحة؟ نعم نحن نفرح و نستمتع و نفاجأ من موقف ما أو كتاب ما أو شخص ما, و لكن أن تصل السعادة إلى درجة تفيض فيها على الصوت و التصرفات, فذلك ما كان مميزا في هذا المشهد.

ربما يرى البعض أنني أبالغ في الوصف أو أضيف لمسات صوفية على الموقف, و لكن ذلك هو ما حدث, و ذلك هو ما رأيت, و ذلك ما كان بمثابة قطعة كرز أتمّت زينة اليوم الجميل.

من الجميل أن يبقى العقل في اتصال مع العقول الأخرى التي تمدّه بالطاقة و تصفّي روحه للاستمرار, و أن يلاحظ بعض المواقف الصغيرة التي قد تعدّل من مزاجه لساعة أو يوم أو عدة أيام.

اللهم أدمها نعمة, و احفظها من الزوال.

Wednesday, March 14, 2012

الأسطورة تقول, لا يوجد رجال في مصر


كلمات زادت في الفترة الأخيرة عن: إحنا الستات نازلين عشان حقنا ولا عزاء للرجال, مابقاش فيه رجالة, أرجل ما فيكي يا مصر بناتك.

و إن وافقت فسأوافق على الجملة الأخيرة و أهديها لمدمنات المسلسلات التركية اللاتي دائما ما ينظرن و يهمن حبّا في "مهنّد" و "عدنان" و "مصطفى" من باب: "انظرن لأنفسكن أولا". و بالطبع ستكون جملة من باب العند و الاستفزاز لا السخرية. فإن كانت الفتيات صغيرات أو لا تعرفن شكل الحياة العامة فإن شاعرا قال ما يقوله كثير من الشباب "صاحب النخوة":
سأترك حبكم من غير بغضٍ   وذاك لكثرة الشركاء فيه
واذا سقط الذباب على طعامٍ   رفعت يدي ونفسي تشتهيه



و لكن للأسف هذه الجمل السابق ذكرها و غيرها تقال عند إهانة فتاة لتخرج مناشدات بأن الإهانة للفتاة أو السيدة تحت مرأى و مسمع من الرجل الذي لا يتحرك و قد ذهبت النخوة ... إلخ. و كل هذه تحت مسمى "الحركات النسائية". و مع الكثير من الشكر و إظهار الفخر لإنجازات النساء و المطالبة بالحقوق عديدة في مناسبة مثل "اليوم العالمي للمرأة".

لا أفهم هذه التفرقة الغربية الآخذة في الازدياد و التي تعتبر من يخالفها أو ينتقدها متخلفا أو ديوثا أو صاحب فكر رجعيّ. ما أراه أن هذه الحركات النسائية و الأصوات المؤنثة الجماعية بدأت تخرج عن أسبابها الأساسية من المطالبة بكسر القيود المفروضة على المرأة للتحوّل إلى أنانية و انغلاق لا يطالب بالحقوق إلا للمرأة ككائن مستقل. وهذا التحول لا أجد له وصفا أفضل من وصف الدكتور عبد الوهاب المسيري رحمه الله, و هو التحول من تحرير المرأة إلى "التمركز حول الأنثى" و فصلها عن الأسرة ككيان واحد يجمع كل أفرادها. و إن كان هناك إهانة للمرأة فأراها في الاستغلال الجسدي المستمر و المطّرد للمرأة "الجميلة فقط" (ها هو تمييز آخر) كمضيفة طيران أو موظفة في قاعة استقبال أو فتاة إعلان أو متحدثة رسمية أو مندوبة علاقات عامة أو سكرتيرة أو حتى تسجيل صوتي في خدمات التليفون. فهي تجارة صريحة بها و باشتهائها, و هذه هي الدياثة بعينها التي لا يتحدث عنها أحد!

أرجع إلى النقطة الأساسية التي تقول أن النخوة قد زالت و أن لا أحد يتحرك لإهانة المرأة الفلانية أو سحل الفتاة العلّانية. في نفس وقت المحاكمة لرجل هتك عرض فتاة, توجد قضية محاكمة مبارك و ولديه و العادلي و أعوانه لقتل المئات من شباب مصر و بناتها, هذا دون التطرق إلى القضايا الأخرى العديدة. و في نفس المشهد الذي يظهر سحل فتاة على يد قوات الشرطة العسكرية, يظهر الضرب المستمر لشاب على الأرض على بعد خطوات, و ضرب فتاة ذهبت للمساعدة, و ضرب رجل كبير في السن يحاول المساعدة أيضا! لا أقول هذه من باب التبرير للضرب, و لكن من باب الدعوة لترك التفرقة و القبلية.

من يحب الجمل الرنانة دون التفكير فيها سيحب الجمل المذكورة في أول التدوينة. و من يحب إطلاق الاتهامات دون تفكير لن يغيّر من موقفي و إصراري على التفكير عندما يتهمني بالرجعية أو قلة النخوة. فحتى المثال الشهير لاستغاثة امرأة بقولها: "وامعتصماه" كان في أحداث مختلفة حيث دولة العدل قائمة ولا يوجد ما يوجد الآن من تعدد للمشكلات و القضايا التي تشمل كل "المصريين" برجالهم و نسائهم و حيواناتهم. هل الأنثى فقط من تخرج في مظاهرات؟ هل الأنثى فقط من تخرج في حملة "كاذبون"؟ هل الأنثى فقط من تهتف ضد العسكر؟ هل الأنثى فقط من تختارها رصاصة أو حجارة؟

لماذا الانسياق وراء الكلمات الرنانة التي رددتها كثيرات مش شمطاوات الحركات النسائية اللائي استخدمن نفس المصطلحات التي استخدمتها نساء تردن حقوقهن بل زدن عليها ولا تردن إلا تنفيس لغلّ و عقد نفسية و إرضاء لمثيلاتهن في الغرب؟ و لكي لا ألقي الاتهامات جزافًا, فلننظر إلى حال المجلس القومي للمرأة في عهد سوزان زوجة مبارك, و لنشتمّ رائحة العنصرية التي مازالت في الأجواء حتى الآن, و التي حوّلت الحركات النسائية من مطالبات بكسر الحواجز أمام مستقبل المرأة في المجالات المختلفة و إعطائها حقوقها ( من أيام صفية زغلول التي لي عليها يعض المآخذ) إلى العودة للانغلاق مرة أخرى ولكن هذه المرة حول الأنثى.

لألخّص ما أقول مرة أخرى: الحركات النسائية تحوّلت من هجوم على "مجتمع ذكوري" إلى مطالبة بـ"مجتمع أنثوي", أي من التطرف إلى التطرف. و قبل ترديد جمل رنانة أو اتهامات غربية جاهزة, لنفكّر فيما نقول.

استقيموا يرحمكم الله.
Powered by Blogger.