Wednesday, March 14, 2012

الأسطورة تقول, لا يوجد رجال في مصر


كلمات زادت في الفترة الأخيرة عن: إحنا الستات نازلين عشان حقنا ولا عزاء للرجال, مابقاش فيه رجالة, أرجل ما فيكي يا مصر بناتك.

و إن وافقت فسأوافق على الجملة الأخيرة و أهديها لمدمنات المسلسلات التركية اللاتي دائما ما ينظرن و يهمن حبّا في "مهنّد" و "عدنان" و "مصطفى" من باب: "انظرن لأنفسكن أولا". و بالطبع ستكون جملة من باب العند و الاستفزاز لا السخرية. فإن كانت الفتيات صغيرات أو لا تعرفن شكل الحياة العامة فإن شاعرا قال ما يقوله كثير من الشباب "صاحب النخوة":
سأترك حبكم من غير بغضٍ   وذاك لكثرة الشركاء فيه
واذا سقط الذباب على طعامٍ   رفعت يدي ونفسي تشتهيه



و لكن للأسف هذه الجمل السابق ذكرها و غيرها تقال عند إهانة فتاة لتخرج مناشدات بأن الإهانة للفتاة أو السيدة تحت مرأى و مسمع من الرجل الذي لا يتحرك و قد ذهبت النخوة ... إلخ. و كل هذه تحت مسمى "الحركات النسائية". و مع الكثير من الشكر و إظهار الفخر لإنجازات النساء و المطالبة بالحقوق عديدة في مناسبة مثل "اليوم العالمي للمرأة".

لا أفهم هذه التفرقة الغربية الآخذة في الازدياد و التي تعتبر من يخالفها أو ينتقدها متخلفا أو ديوثا أو صاحب فكر رجعيّ. ما أراه أن هذه الحركات النسائية و الأصوات المؤنثة الجماعية بدأت تخرج عن أسبابها الأساسية من المطالبة بكسر القيود المفروضة على المرأة للتحوّل إلى أنانية و انغلاق لا يطالب بالحقوق إلا للمرأة ككائن مستقل. وهذا التحول لا أجد له وصفا أفضل من وصف الدكتور عبد الوهاب المسيري رحمه الله, و هو التحول من تحرير المرأة إلى "التمركز حول الأنثى" و فصلها عن الأسرة ككيان واحد يجمع كل أفرادها. و إن كان هناك إهانة للمرأة فأراها في الاستغلال الجسدي المستمر و المطّرد للمرأة "الجميلة فقط" (ها هو تمييز آخر) كمضيفة طيران أو موظفة في قاعة استقبال أو فتاة إعلان أو متحدثة رسمية أو مندوبة علاقات عامة أو سكرتيرة أو حتى تسجيل صوتي في خدمات التليفون. فهي تجارة صريحة بها و باشتهائها, و هذه هي الدياثة بعينها التي لا يتحدث عنها أحد!

أرجع إلى النقطة الأساسية التي تقول أن النخوة قد زالت و أن لا أحد يتحرك لإهانة المرأة الفلانية أو سحل الفتاة العلّانية. في نفس وقت المحاكمة لرجل هتك عرض فتاة, توجد قضية محاكمة مبارك و ولديه و العادلي و أعوانه لقتل المئات من شباب مصر و بناتها, هذا دون التطرق إلى القضايا الأخرى العديدة. و في نفس المشهد الذي يظهر سحل فتاة على يد قوات الشرطة العسكرية, يظهر الضرب المستمر لشاب على الأرض على بعد خطوات, و ضرب فتاة ذهبت للمساعدة, و ضرب رجل كبير في السن يحاول المساعدة أيضا! لا أقول هذه من باب التبرير للضرب, و لكن من باب الدعوة لترك التفرقة و القبلية.

من يحب الجمل الرنانة دون التفكير فيها سيحب الجمل المذكورة في أول التدوينة. و من يحب إطلاق الاتهامات دون تفكير لن يغيّر من موقفي و إصراري على التفكير عندما يتهمني بالرجعية أو قلة النخوة. فحتى المثال الشهير لاستغاثة امرأة بقولها: "وامعتصماه" كان في أحداث مختلفة حيث دولة العدل قائمة ولا يوجد ما يوجد الآن من تعدد للمشكلات و القضايا التي تشمل كل "المصريين" برجالهم و نسائهم و حيواناتهم. هل الأنثى فقط من تخرج في مظاهرات؟ هل الأنثى فقط من تخرج في حملة "كاذبون"؟ هل الأنثى فقط من تهتف ضد العسكر؟ هل الأنثى فقط من تختارها رصاصة أو حجارة؟

لماذا الانسياق وراء الكلمات الرنانة التي رددتها كثيرات مش شمطاوات الحركات النسائية اللائي استخدمن نفس المصطلحات التي استخدمتها نساء تردن حقوقهن بل زدن عليها ولا تردن إلا تنفيس لغلّ و عقد نفسية و إرضاء لمثيلاتهن في الغرب؟ و لكي لا ألقي الاتهامات جزافًا, فلننظر إلى حال المجلس القومي للمرأة في عهد سوزان زوجة مبارك, و لنشتمّ رائحة العنصرية التي مازالت في الأجواء حتى الآن, و التي حوّلت الحركات النسائية من مطالبات بكسر الحواجز أمام مستقبل المرأة في المجالات المختلفة و إعطائها حقوقها ( من أيام صفية زغلول التي لي عليها يعض المآخذ) إلى العودة للانغلاق مرة أخرى ولكن هذه المرة حول الأنثى.

لألخّص ما أقول مرة أخرى: الحركات النسائية تحوّلت من هجوم على "مجتمع ذكوري" إلى مطالبة بـ"مجتمع أنثوي", أي من التطرف إلى التطرف. و قبل ترديد جمل رنانة أو اتهامات غربية جاهزة, لنفكّر فيما نقول.

استقيموا يرحمكم الله.

No comments:

Post a Comment

Powered by Blogger.