Saturday, June 9, 2012

البحث عن دين: 3- المقارنة و الاستنتاج و الهدم



كنت في الماضي أسمع –ثم أردد- تمنيات الناس بأن يعاصروا الرسول و يجاهدوا معه. ثم رأيت السؤال بعد عدة سنوات: ماذا لو كان الاختبار أكبر من عزيمة البعض و قدراتهم؟ هل كنا سنصبح مع الكفار و نرجم أتباع النبي الكذاب (تنزّه عن هذا اللقب, الوصف فقط حسب الجانب)؟ أم سنصمت و نرى ماذا سيحدث (حزب الكنبة, أو ربما حزب الخيمة)؟ أم سنقترب لنرى بضاعته و نحكم عليها؟ هل عندها سنقدر على تقبّل سماع ما يهدم عقيدتنا (واء وثنية أو يهودية أو مسيحية موحدة أو مثلثة)؟

من هذه الأسئلة كانت طريقة رافقتني: حيثما تجد تناقضا أو اختلافا في الرواية, لابد من قرار. و هذه عدة أمثلة لشكل التنافضات أو الاختلافات التي مرت عليّ(ملحوظة: الكتب السماوية تحديدا هي من نفس الإله, لكني أحكم على الوضع الحالي للكتب التي ينشرها أتباعها):
1-    عند اختلاف تفاصيل الرواية (أو زيادة تفاصيل) في حدث خاص بالتاريخ, فهو و إن كان غير مؤثر على المستقبل, إلا أنه يؤثر في الحكم على مصداقية باقي المحتوى. مش قصة خطبة السيدة مريم ليوسف النجار في الإنجيل مع عدم ذكر ذلك في القرآن, أو تفاصيل وصف بداية الخلق في التوراة مع الوصف المقتضب في القرآن.
2-    عند وجود تفسير لإحدى المعجزات بطريقة علمية معقدة, مما يعني إما كذب الكتاب أو ضلال العلم. مثل التفسير العلمي للعقابات العشرة التي جاءت على مصر في عصر فرعون و المذكورة في التوراة و القرآن. أو التفسير العلمي لطوفان سيدنا نوح.
3-    عند وجود تناقض في التاريخ لا يحتمل روايتين مثل رواية زنا سيدنا لوط أو دياثة سيدنا إبراهيم (عليهم السلام) في التوراة مقابل الشكر في أخلاقهم في القرآن, أو قول سيدنا عيسى في الإنجيل أن من يأتون بعده أنبياء كذبة و قوله في القرآن أن من بعده نبي اسمه أحمد.

و مع اختلاف المواقف و تنوعها لابد من أن يكون أحد المصدرين على خطأ أو أن هناك تفاصيل مفقودة قد تغير شكل الرويات. أمثل لتنوّع الأحكام كما حدث في حالتي:
1-    بعض التفاصيل التي تكون زائدة في أحد النصوص ولا تهدم النصوص الأخرى. لماذا لا تؤمن بها إن كنت تتبع هذا الكتاب أو تتجنبها مع عدم الذم فيها طالما لم يوجد في كتابك ما ينفيها؟
2-    بعض التناقضات التي لابد من اختيار أحدها. حينئذ لا بد من الاختيار بعد البحث و معرفة السياق و التدقيق التاريخي في كل أمر يمكن البحث فيها مع سرد الروايات المختلفة و كأنه تحقيق في جريمة أو بحث علمي دقيق.
3-    بعض التناقضات التي تروي نفس الحدث و لكن من زاوية مختلفة مثل التفسير العلمي لبعض المعجزات. ما المانع في تصديق العلم إن كان مبنيا على دراسة محققة و مثبتة علميا و ليس نظريات واهية. فإن كانت هذه المعجزات أحداث كونية عرفها بعض الأنبياء قبل حدوثها فهل ذا ينفي قدرة من صنعها و علاقته بمن أبلغ بها؟

بعد هذه المقارنات و غيرها تأتي الفترة الأصعب و القرارات الأشد صعوبة. هل –بعدما استطعت تنوير عقلك و الحكم بموضوعية دون تحييد من مجتمعك أو خوفك- تستطيع أن تجاهل بما علمت و صدّقت؟ هنا يكون الاختبار التالي, فهذا أشبه بهدم بعض الأصنام التي قدسها البعض و تختلف في قدسيتها حسب حجم الاستنتاج. فأنا هنا أتكلم عن أمور تتدرّج من مجرد اختلافات في عقيدتك الحالية -التي لابد و أن تكون قد زادت معرفتك بها بعد البحث و النقد و المقارنات- إلى هدم لأسس كان الناس يعتبرونها من المسلمات بها و حتى الانتهاء بتغيير عقيدتك –و هو الاختبار الأعظم-.
مثال لبعض الأمور التي خرجت بها حتى الآن:
1-    مع قول الله بأنه جاعل في الأرض خليفة, و استخدام وصف الجنة لوصف الآخرة و وصف الحدائق على السواء, و وسوسة الشيطان لآدم و حواء في الجنة, فأنا مع الرأي بأن الجنة كانت في الأرض طالما لم يأت في كتابي و سنّة رسولي ما يخالف ذلك.
2-    حسمت أمري بأن الحجاب هو الحد المطلوب للاحتشام و هو أساس العقيدة, و النقاب كان موجودا كعادة اجتماعية لا تخالف الشرع  فلم يمنعها الرسول إلا في الحج. فالإسلام جاء ليصحح لا ليهدم. و كذلك تقصير الجلباب كتهذيب للباس هذا العصر و هذه المنطقة. فالعقيدة رسمت الآداب العامة ولم تحدد خطا بعينه من الأزياء.
3-    لا يجب أن ننتظر في مجتمعنا أن يعترف المسلم بإيمان المسيحي أو العكس. فكل له كتابه (على الأقل بصورته الحالية) التي تدعوه لتكفير الآخر. فالمسلم هو تابع للنبي الكذاب, و المسيحي كافر لأنه قال ان الله ثالث ثلاثة. لذلك لا سبيل للتعايش إلا بعد الاعتراف بالحقيقة والتوقف عن النفاق. حينها يمكن العيش كما كان يحدث قديما في منطقة احترمها الجميع كالقدس و لكل دينه.
4-    لم تكن الديمقراطية يوما أساسا للحكم في أي دين. و لكنها ظهرت لمحاربة أي مرجعية متجاوزة (سماوية لا يمكن حسابها بالأرقام). و لأن التاريخ يكتبه المنتصرون, و لأن القوي هو من يضع القوانين, أصبحت الديمقراطية هي الخيار الوحيد للحكم.

هذه أمثلة حاولت تنويعها. قد تكون بسيطة على قدر ما وصلت إليه. و لكن ما أعرفه أنها جاءت عن اقتناع. لذلك أسعد بها لأنها لم تأتني مع الولادة ولكني اكتسبتها مع الوقت و بتوفيق من الله الذي ازداد إحساسي و يقيني بوجوده. و قد تكون بداية لبحث أعمق أهدم أو أبني فيه أشياء أكبر.

و رغم كل ذلك, أعترف بضآلتي أمام ثبات و ثقة من رأيتهم أو حدّثتهم ممن قرروا تغيير دينهم عن اقتناع و بحث. (و يا الله! كانوا يتحولون للإسلام -تحديدا- في مجتمعات تعاديه)
Powered by Blogger.