Monday, April 15, 2013

عن التعليم الهوليوودي و تغيير التاريخ و الجغرافيا


منذ عدة أشهر تعثرت في فيديو يتحدث عن صياغة هوليوود لأشكال الحب و فرضها علينا حتى أصبحنا نحب بنفس الأنماط المفروضة علينا. اليوم تذكرت هذا الفيديو عندما تعثرت في كلمة "Apocalypse" أثناء محادثة قصيرة لأتذكر كيف تتم معاملتها على أنها "نهاية\فناء العالم".

الكلمة اليونانية الأصل (أبو: عكس\إزالة. كاليبس: غطاء) تسرد أسطورة يونانية عن كشف الآلهة لكل الأسرار و القوى التي كانت محبوسة عن الإنسان في الماضي بعد فترة من الضياع و الانحدار. و انتقلت الكلمة بنفس شكلها للإنجليزية في سِفر الرؤيا لتتساوى مع Revelation (الكشف) في مضمون ليس مطابقا و لكنه مشابه من حيث رجوع المسيح عليه السلام بعد سلسلة من الأحداث المخيفة. المهم أنها لا تعني نهاية العالم سواء في الأساطير اليونانية أو المسيحية و لكنها تعني بدء مرحلة جديدة من الازدهار (أذكر شيئا مشابها في اليهودية, ليس موضوعنا الآن, المهم أن الفكرة وصلت).

و لأن الإبداع الهوليوودي لا يقف عند حد ولا يمانع في الخلط و الابتكار, تدرجت الكلمة حتى أصبحت رمزا لفناء البشرية. و من أشهر الأفكار هذه الأيام "Zombie Apocalypse" حيث يسير الأحياء الأموات ليأكلوا عقول البشر و تنتهي البشرية (هل ذكرت طرح مناقشة مقاوة الزومبي في البرلمان الكندي؟ ها قد فعلت), و لا مانع من نهاية سعيدة حين يظهر البطل الأمريكي (رجل أو امرأة) للحول دون ذلك.

مأساة أخرى في الجغرافيا تذكرتها أثناء الكتابة, في فيلم Transformers. نجد أن الأرض انكمشت حيث نجد جنودا يأتون من ساحل المتوسط ليصلوا إلى الجيزة في دقائق, ثم يهرب البطل من الجيزة (المحاطة بصحراء يسكنها بعض البدو!) إلى مدينة البتراء في الأردن و يرجع مرة أخرى في وقت قياسي و الشمس لا تزال في السماء. كل هذا و معه انفجارات في الأهرامات و تدمير لحائط تاريخي في البتراء دون أن يتحرك أي جيش أو شعب و كأنها أراض قاحلة.

و لا حاجة بنا لتفنيد أفلام أخرى عن أهل الصحاري و الإرهابيين الملتحين الذين يملئون الشرق و دائما ما يتعاونون مع قوى الشر الأخرى: إيران, العراق, روسيا, كوريا الشمالية, أفغانستان, باكستان, دول شرق أوروبا. و لا لذكر القوات و الأبطال الذين يتحركون لإنقاذ العالم في هذه الدول و غيرها دون ممانعة من الأفراد الضعفاء لهذه الدول إن ظهروا.

هذه الدروس العلمية هي مصدر غير قابل للجدل عند الملايين حول العالم. يجلسون أما الشاشات المضيئة ليستقوا المعلومات. و الحل ليس في إغلاق الشاشات لأن هذا مستحيل و غير عملي. الحل -ربما- في التوعية الموازية. العمل على كيانات قوية تمتع و تعلم. هل تذكرون أسلوب الأمهات في وضع قطع من الطعام المفيد الذي لا نحبه داخل أطعمة لذيذة؟ نحتاج لوجبة سهلة الهضم ترفّه و تعلّم. لأن تلقّي الوجبات الفاسدة لن يؤثر فقط على النمو, بل يصيبنا بالأمراض (أظننا نعاني منها الآن).

Wednesday, March 6, 2013

التوريث أسلوب حياة, من الرئيس للعامل

عندما أنظر لثورة 25 يناير و أسمع كلمة "الشعب يريد", تختلط الأفكار في رأسي و أتذكّر مواقف و أحداث ترفض اجتماع الثورة و الهتاف معا. من هذه الأمور: رفض التوريث.
 وقفة عمالية لرفض توريث الوظائف

عندما أرى من يرفض توريث الرئاسة من مبارك لابنه, ثم يرفض "أخونة" الدولة, و يأتي حتى ابنه و تتوقف تلك الشعارات و يرفع شعار "نفسي نفسي", أعرف أن هذه الشخص بدون مبادئ واضحة. فمبادئه هي أقرب للاجتماعيات منها للأخلاقيات. ما أقصده هو "تعيين أبناء العاملين", ذلك الطقس المقزز الذي يسحب العديد من الوظائف الحكومية لصالح أبناء العاملين فيها و يترك الكفاءات التي بدون "ظَهر" لوحش البطالة. العجيب أن هذا الطقس وصل لدرجة تشبه القانون الذي من أجله ينتفض العاملون و يقطعون الطريق من أجل أخذ أبنائهم عديمي الكفاءات (قصة حقيقية)! فمَن هذا العظيم الذي اخترع هذا الطقس؟ ثم أي فكر عقيم تبنّى تلك الفكرة و دافع عنها دون تفكير في ما قد يحصل لأبنائه لو كانوا لا يملكون "ظهرا" بداخل المؤسسات؟ ثم مَن هذا المدير الجبان الذي يؤثر هدوء تلك الكائنات الظالمة و يوزع الوظائف على أبنائهم بدلا من التصدي لهم و تقديم العدل و تبنّي الكفاءات؟

لن أعترف يوما بثورة تتلخّص في رئيس أو حصّة من الحقائب الوزارية. الثورة لابد أن تكون حملة تنظيف مستمرة لرفض التوريث بكل أشكاله و إقامة العدل. و إلا ربما تخرج ثورة جديدة بهتاف: الشعب يريد إسقاط الشعب.

حقا, الحاكم مرآة شعبه.

Saturday, March 2, 2013

مراسم التكاثر من دولاب الملابس لدولاب المخدرات

جولة أخرى في مملكة الإنسان, فيها أسرد بعض طقوس التزاوج لديه. و تحديدا أذكر احتفالاته. عندما يتزوج ذكر الإنسان من أنثاه, يعدّون عدة حفلات و مراسم تتوزّع عليها بعض الأحداث و الخطوات.

أبدأ بذكر الفاتحة التي غالبا ما تكون مختصرة "لربط الكلام". ثم الخطوبة (تُعرَف أيضا بالشَبْكة) و التي يهدي فيها الذكر لأنثاه بعض المشغولات الذهبية التي تقوم أم الأنثى بعرضها على الحضور و كأن الذكر قد غاص للأعماق ليحضر لآلئ نادرة أو ارتحل ليجلب النوق الحمر, و هو في الحقيقة لم يفعل سوى جمع\اقتراض المال لشراء المشغولات الذهبية. و لأن اسم "خطوبة" ليس كافيا للعديد من الهدايا, فالمشغولات إما تكون الدبلة المعتادة و يضاف عليها "محبسا" (و هو خاتم فوق الدبلة و يكون أغلى منها بكثير), و إما يقال عنها "شَبْكة" و فيها يأتي الذكر بالطقم الكامل من حَلَق للأذن و سوار و طوق للرقبة مع بعض الخواتم, و حديثا يضيف بعضهم "خلخال" القدم! في هذا الحفل من حق الذكر أن يمسك و يحتضن و يرقص, بل أحيانا يقبّل اليد. و لا مانع أن تترك الأنثى قطعة القماش التي تغطّى أجزاء من شعرها لأن هذه المناسبة هي أكبر من أن تلتزم بالعادات البالية من احتشام و خلافه. قد تكون هذه الحفلة محدودة العدد (على الضيّق) في منزل العروس, أو تكون حفلة كبيرة في قاعة مناسبات أو شارع. تلك هي المناسبة الأولى التي تعطي فرصة للذكور الغير متزوجين في ممارسة "رقصة الغيبوبة", و هي رقصة تعتمد على بعض الحركات و التمايلات الغير مفهومة. و تكون لللإناث فرصة الاستعراض لعرض البضاعة بطرف مختلفة ذكرتها من قبل في تدوينة أخرى.

المرحلة التالية هي مرحلة "التنجيد", و هي مرحلة صباحية, و هي مرحلة استقدام "المنجّد" المسئول عن صناعة الوسائد و المراتب و الأغطية السميكة و الشِلَت (وسائد صغيرة). فيها تأتي السيدات و بناتهن للتصفيق و الرقص في الشارع بينما يقوم المنجّد بعمله أمام البيت. و تدفع - كالمعتاد - كل أنثى بالغة بابنتها لأن هذا التنجيد يكون في الشارع, ففرص التزاوج تكون أكبر بحكم أن الشريحة المقصودة من الذكور أصبحت أكبر.


تجب الملاحظة أن في كل مناسبة لابد من أعداد كبيرة من مكبرات الصوت (أو "الدي جييي" كما يسمونه) و منها تخرج أصوات ترجّ الحوائط و الأسقف لأعلى و أبعد المباني من نوعية "المولد" و "العبد و الشيطان" و "عند امه" و "الست لمّا" و "الأوضة الحمرا" و "دي عيلة واطية" ... إلخ, بالإضافة لمقطوعات أمريكية و إسبانية يبدءون بها "التسخين" و لا أحد يفهم منها شيئا, و لو كانوا أظهروا حياءً تجاه ما يسمعونه بالعربية لكانوا رفضوا ما يقال في هذه الأغاني الأجنبية. وإن كنت في مجال 100 متر من بؤرة الكارثة فأنت هالك لا محالة من فرط الاهتزاز. و في هذه المناسبات تسمع من الإناث قدرا من الليبرالية يتناسب مع كل ما سبق ذكره. فقد تسمع: "ياللا قومي ارقصي يا دينا .. ياللا يا هدى .. هي بنتك يا سعاد هاتفضل تتكسف كدا؟ خلليها تقوم مع بنات خالاتها".

مرحلة التنجيد هذه مرحلة مميزة و مليئة بالتفاصيل. فبعد كل ما سبق, و مع انتهاء التنجيد قبل الغروب, تبدأ مرحلة من الهجرة الجماعية بعد استعراض سريع "للجهاز". فكلما انتهى المنجّد من قطعة أخذوها و عرضوها بطريقة مميزة. فالمراتب و الوسائد يضعونها على موائد في وسط الشارع تماما مثلما يجهّز السرير في الغرفة. و عليه بعض "الشلت" التي تأخذ أشكال القلوب و ألوان المعادن, بالإضافة لبعض "الدباديب". أما المفارش و الأغطية فيتم عرضها على حبال تُشَدّ بين الأدوار الأولى للمنازل. و لا أعلم ماذا ينقصهم سوى عرض الملابس الداخلية و صعود العروس لتجربة السرير (ربما أرجع بعد سنة لأجد التهكّم أقد أصبح حقيقة). خلال هذا المعرض تخرج الأجهزة المنزلية و أدوات المطبخ لتنضم لمعرض الشارع لحين يتم جمعهم على سيارات تذهب إلى بيت العروس. و هنا أذكر تفصيلة أخرى (ألم أقل أنها مناسبة غنية!), و هي أن النساء يركبن على نفس سيارة النقل أو سيارات تابعة لها لتذهب جميع المتعلقات في زفّة مهيبة و مزعجة لبيت العروس.

هل يوجد أفضل من مجاملة الشخص لأصدقائه بالبانجو في حفلة أخته؟

وصلنا إلى الليلة السابقة للزفاف, و هي ليلة "الحنّة". أيا كان أصل هذا الطقس فإن الحنة لم تعد هي محور اهتمامه, لأن محور الاهتمام أصبح - ككل السابق - هو إخبار (أو إزعاج) الجيران و قطع الطريق و الحائط المرصوص من مكبرات الصوت و رقصات الغيبوبة و كسر إحراج سعاد و خلافه مما سبق ذكره. من قوة الشبه بينه و بين الخطوبة فإنك قد لا تلحظ الفرق إلا عندما يخبرك أحدهم أنا الحنة أو عندما يشغلون أغنية "الليلة الحنة و بكرا الدخلة".

و ها قد وصلنا لليلة الكبيرة. و هي - أيضا - مثل الليالي السابقة, و لكنها الأهم و الأكثر بذخا. فيها قد يمتد "الصوان" (أو السرادق) لعشرات الأمتار و تزداد مكبرات الصوت و يظهر عنصر "البوفيه" و موائد الفواكه و المشويات و البيرة و العصير و المخدارات, كما تظهر الراقصات. بالطبع كل فرد حسب إمكانياته, و لكن لا غنى عن السرادق و الأنوار و مكبرات الصوت و المأكولات, و الزيادة أفضل بالطبع. تلك الليلة هي الليلة الأكثر امتدادا في أحشاء الليل و قد تمتد للفجر.

إذا رأيت الزحام مشتدا عن ذلك, اعلم أن راقصة بالجوار
  

في كل هذا قد يظهر إنسان هنا أو هناك لا يعجبه الحال. و هذا هو الإنسان الذي لا يستحق الحياة, بل يستحق الموت و الانتقال للرفيق العظيم حيث يأمل في إيجاد الراحة. فلا سبيل لأي نوع من النصح (فهل يقبل المسجد بالنصح ليقبله قاطع الطريق و الديوث؟). و إذا فكر في الاتصال بالنجدة فهو يواجه أحد الأحتمالات التالية: إما أن لا تستجيب له, و إما أن تأتي "لتأخذ المعلوم" من أصحاب الاحتفال ثم تنصرف, و إما تفعل ما يجب فعله. و علي أن أقول أن الاحتمال الأخير هو ما لم أره يحدق إلا عندما تحدث حادثة كبيرة تراق فيها الدماء (نعم, فالشرطة قد تخبرك أنا لن تأتي إلا إذا أريقت دماء).

 الشرطة و الشعب عايزين الحرق

تلك كانت جولة في بعض الاحتفالات التي يقيمها شعب مصر العظيم من الأقاصي للأقاصي.
هل ذكرت أن تلك التدوينة هي نسخة مطورة و معدّلة من نسخة ترجع لعام 2010؟ ها قد قلت. تكبييير.

Saturday, February 16, 2013

القوات المسلحة الأزهرية الزومباوية

(من مدونتي القديمة, مارس 2010. تدوينة كانت ترى المستقبل المظلم لدولة ما قبل الثورة و تخاف منه, بل البعض لا يزال يدعو لها تحت مسميات عدّة. 
تدوينة فضّلت تركها بصيغتها العامية كما هي.)

حد قبل كدا سمع عن دولة "زومبا" الشقيقة؟ دي دولة قدرت تسيطر على منطقة كبيرة من العالم بسبب بلطجتها. و استطاعت أن تحتل العديد من الدول المحيطة بها عسكريا أو فكريًا أو اقتصاديًا أو... . و عندها موارد كتييير و إمكانيات أكتر, لكن أغلب الإمكانيات دي رايحة للقوات المسلحة الزومباوية اللي بتسيطر على الدول المحتلة دي عشان ماتهربش من تحت إيديها. و لذلك كانت القوات المسلحة الزومباوية قادرة على تخريج كوادر صالحة لإدارة أي وزارة أو هيئة في دولة زومبا. فبعد خروج أحد اللواءات أو العمداء لبلوغه سن المعاش, يمكنه أن يدير أي إدارة فيكي يا زومبا, سواء بقى كانت نقل أو إعلام أو سياحة أو حتى صحة.

أحد اللواءات هو اللواء أركان حرب/ زومباوي مطاوع زوباوي. هذا الرجل خريج أحد المعاهد الحديثة لتابعة للقوات المسلحة الأزهرية. بعد بلوغه سن المعاش كان له شرف إدارة أحد المساجد (بعد هدم مسجد آخر في دولة مجاورة) التي سيطرت عليها القوات المسلحة الأزهرية أثناء مشاهدة الشعب الزوباوي المغيّب لمباراة كرة القدم بين زومبا و أنتيكا و ما تبعها من أعمال شغب. و بعد تولي حكومة زوبا إدارة المسجد, تم وضع لقب "لواء أركان حرب أركان إسلام" على صدر من يتولى إدارته. و يكون الزي الرسمي له هو عمة بيضاء على مقدمتها صورة بطريق (رمز دولة زومبا) و كاكولا خضراء علي كتفيها أربع نجوم و بطريقين ( رتبة اللواء أركان حرب أركان إسلام).

هذا الرجل يدخل يوم الجمعة إلى هذا المسجد و يجلس على الكرسي و ياخد التمام من كل فرد يدخل. و يا ويله اللي مايكونش حالق دقنه الصبح قبل ما ييجي: "يا فندم أنا حلقتها النهاردة الصبح !", "لا يا حبيبي, المرة اللي فاتت قولتلك تحلقها قبل ما تنزل, يعني مش الخميس بلليل, و مش الجمعة الصبح, لأ قبل ما تنزل على طول, روح للصول.. قصدي خادم المسجد و خلليه يحلقهالك تاني و تعالى اديني التمام". و عندما يحين وقت الصلاة, يصعد المنبر و يبدأ الخطبة, و برضو يا ويله اللي ييجي متأخر. "الأفندي اللي لسا داخل دا, ما بدري! مش قايل 100 مرة اللي يوصل بعد ما أطلع أحسنله ما يجيش؟! اتفضّل روّح, ناقصاك هي!!". و يكمل الخطبة و الكل صامت لا يستطيع أن يلتفت.

أثناء الدعاء يقول: "اللهم احفظ لنا ولاة أمورنا" و يرددون وراءه بامتعاض "آمين", "لأ مش سامع, عايز صوت أقوى و في نفس واحد" , "آآآمين", "لأ طبعا, دانا صوتي أقوى منكم, اقفل الميكروفون يا عصمت, عايز أسمعهم من غير ميكروفون, ياللا كلكوا مع بعض, عايز صوتنا يوصل المسجد اللي جنبنا". و يأتي في ميعاد الصلاة يقول: "إقامة الصلاااااااااا, أقم" و يسرع الناس خلفه " هوب" و ينتظمون في صفوف حسب الرتبة الزومباوية لكل مواطن. "على اليمين حزا, كما كنت, على الشمال حزا, كما كنت". و يبدأ الجميع في الصلاة خلف الإمام الجبار و هم يدعون في سرّهم أن يأتي من يخللصهم ممن أفسد حياتهم و احتل أرضهم و شوّه دينهم.

هل يمكن أن يأتي اليوم الذي نصبح فيه جزءأ من دولة زومبا العليا؟ لأ أتمنى ذلك و إن كانت الملامح غير مطمئنة.

Wednesday, February 13, 2013

شوارع الذكور ... ربما النينجا

يزداد مع الوقت سماعي لتعبيرات من نوع: "أهلى ارتكبوا جريمة عندما أحسنوا تربيتي", أو "كان لابد أن أتعلم ما يناسب الحياة, لا مجرد أخلاق تريني مدى سوء حياتي". و لا أنكر أنني أشعر بهذا الكلام و أعيشه, و كلما غُصت في ديني و حاولت تحسين إنسانيتي و أخلاقي وجدت أن الحياة اليومية هي أبعد ما تكون عن الكتب, المقدس منها و غير المقدس.

من فترة تجمعت عدة ملاحظات و تراكمت لتشكّل تجارب صغيرة ترسم صورة أكبر: معالم الطريق اليومي. ما بين اصطحاب أنثى أو رجل مسنّ أو معاناة من إصابة أو مرض, تتشكّل صورة جغرافية للأماكن القابلة للحركة في حياتي اليومية و مدى خطورة كل منها. ففكرت في تجربة مختلفة, أن أمشي و أعيد ملاحظة تلك الصورة من منظور مختلف .. منظور أنثى. فما مواصفات تلك الأنثى؟ مجرد إنسانة ذات حياء, لا يمكنها القفز و الجري أكثر من العادي إما للباسها أو تحرّجها, تخشى الأماكن المظلمة أو الحيوانات. فماذا كانت الملاحظات؟

- المواصلات العامة, كلمة "كارثة" هي أقل ما يوصف. بين التدافع للركوب, و الزحام داخلها, و الجلسات الغير آدمية (أفضّل كلمة "القرفصاء" عندما أصفها), و كثرة "الظرفاء" و قلة "الرجال", و كثرة البروزات الكافية لتمزيق كل ما يبتعد عن الجسد و لو قليلا.

- المقاهي و الأكشاك و تجمعات الشباب على الأرصفة في تزايد مستمر بشكل ألغى ما يسمى بـ"الرصيف", فأصبح الرصيف كنزا يوجد فجأة و يختفي فجأة.

- البنية التحتية لأم الدنيا لا تحتاج لكلام. ما ينزل عن الكعب إما مصيره البلل أو الاتساخ أو القطع. إما "التشمير" أو ينزعج دولاب ملابسي سريعا لما فعلته بأبنائه الغاليين.

- حفظ التوازن من المهارات الأساسية التي لا مفر من اكتسابها. إما لتفادي الوقوع عند انطلاق سائق العربة قبل الجلوس. و إما للمرور من على حافة رصيف امتلأ بالمياه أو السيارات, أو للقفز بين الحين و الآخر بين قطع الحجارة التي تبرز كجزر متفرقة في بحيرات الصرف الصحي -التي هي منّا و إلينا تعود-.

- هل ذكرت التناغم مع الطبيعة؟ لأن حب الحيوانات هو أمر أساسي في مملكة الغابة -تُعرف أيضا بـ"مصر"-. الكلاب لابد أن تكون مصدر بهجة عند رؤيتها و نباحها لابد أن يكون طربا للأذن. و بالطبع فإن المرور بين الجاموس و الثيران و الجمال في عيد الأضحى هو نوع من إكرام الضيف و الترحيب به قبل أن يغادر دنيانا في حمام دماء مهيب.

- طالما أنني لا أعيش في "ميتروبوليس" أو "جوثام", فعليّ أن أبحث عن وسيلة أخرى لبعث الاطمئنان في قلبي قبل المرور في منطقة مظلمة أو خالية, حيث سوبرمان و باتمان ليس لهم نفوذ أو سلطة. لأن في بعض الأحيان -و ربما كثير من الأحيان, حسب المنطقة- لا يوجد سبيل للوصول إلى العمل\المنزل\المدرسة إلا بالمرور من أماكن لا تبشر بالخير.

- ربما لا أقبل ملابس الباليه و حركاته, لكن رشاقته مطلوبة. كيف أمر بين سيارتين أو برميلين أو عامودين بمحيط خصر متوسط أو كبير؟ و كيف يمكنني العبور فوق الرمال و الحجارة -إما لأعمال بناء هنا و هناك, أو أعراض إصلاحات قديمة- بخطوات ثقيلة؟

- ارتفاع مستوى الأخلاق و السلام الداخلي مهم جدا, لأن ما سأسمعه من كلمات هنا و هناك يحتاج لقدر كبير من الهدوء و العفو عن المقدرة.

- بمناسبة العفو عند المقدرة, ربما بعض دروس الكاراتيه و التايكوندو قد تفيدني, ولا تسألوني لماذا.

"لو عثرت بغلة في العراق لسألني الله تعالى عنها: لِمَ لم تمهد لها الطريق يا عمر", عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

Saturday, February 2, 2013

الراعي الكذاب

عندما كنت طفلا, سمعت (أو ربما قرأت) قصة اسمها: الراعي الكذاب. كانت تحكي عن شاب يرعى الغنم, و كان يهوى الكذب على الناس و الصراخ بأن الذئب يهاجم أغنامه. و عندما يهرع الناس لنجدته لا يجدون ذئبا, و يضحك الراعي على مزحته السيئة. و مرة بعد مرة, تعب الناس من تصرفاته و قرروا عدم الاستماع إليه مجددا. و في يوم هاجم الذئب أغنام الراعي فأخذ يصرخ طالبا النجدة. و لكن الناس لم يعيروه اهتماما لما عرفوه من كذبه. فإذا بالذئب يأكل غنمه ولا يجد من يساعده. حتى تلك اللحظة أجد قصة الراعي الكذاب أمام عيني. و أعاني من إهمال الكثيرين للقيمة التي تحكي عنها القصة: الصدق.

قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: "كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته، فالإمام راع وهو مسئول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسئولة عن رعيتها، والرجل راع في مال أبيه وهو مسئول عن رعيته، فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته", و كم أعجب عندما أجد راعيا يدّعي الورع و التقوى ثم يأتى بأفعال لا تمت للتقوى بصلة. و مرة بعد مرة يكذب أو ينافق أو يتهم الناس بالباطل, حتى يتعب الناس من أفعاله و أقواله و يُكتَب عندهم كذّابا. ثم يأتي الموقف الذي يستحق فيه المساعدة فلا يجد معه أحدا. عندها يأكل الذئب, و تأتي بقية الذئاب لتأخذ أغنام القرية جميعا. الراعي صرخ للتنبيه و لطلب المساعدة, و لكن ما من أحد ليسمع أو يجيب.

عندها هل ألوم القرية التي لم تتأكد من صدق النداء الأخير؟ أم ألوم الراعي الذي اعتاد الكذب؟ أم ألوم من ائتمنه على الغنم؟ أم ألوم الغنم التي لم تتصرف و انتظرت مصيرها؟

ما أعرفه جيدا هو أن قصة الراعي الكذاب لا تكذب ...
Powered by Blogger.