Monday, March 19, 2012

يوم في جنة الكتب

photo by @NermeenEdrees


منذ أيام قليلة كنت في ما يمكن أن أسميه "معرض خيري مصغّر للكتب" (لا أعرف وصفا دقيقا مختصرا للحدث) كان كل هدفه هو بيع الكتب المستعملة من أجل جمع التبرعات. كان يوما ذهبت فيه لمكان لا اعرفه في حدث لا أعرف كيف يسير وسط أناس لا أعرفهم. و ذلك شيء عادي و مفيد في بناء علاقات جديدة و دخول تجارب مختلفة. و لكن ما وجدته كإحساس عام هو ما أعجبني كثيرا. ما جمع بعض الأشخاص في مكان واحد كان تركيبة من مواصفات جميلة سعدت بتواجدها في هؤلاء الأشخاص: الثقافة العامة و حب القراءة, العقل المفكّر الغير مقيّد بحواجز وهمية, حب الخير و التطوع في أنشطة مختلفة, وضع خطط مستقبلية واضحة في الحياة ... إلخ. إحساس جميل أن تبقى لفترة وسط مجتمع مصغّر رغم الاختلافات في تفكير أفراده و اتجاهاتهم و مجالات عملهم إلا أنهم جميعا متشابهون يتعاملون بنفس الحب تجاه ما يمارسونه و يتناقشون في مشاكلهم المشتركة بدئا من أكوام الكتب و حتى المناقشات السياسية و الاجتماعية.

كل ذلك حتى الآن هو أمر طبيعي يتكرر في مناسبات مختلفة, و لكن ما لفت نظري كان مشهدا ربما لم يتعدّ عدة دقائق من التركيز ثم استمر انبهاري به حتى انتهى اليوم. فتاة تدخل و على وجهها مزيج من الدهشة و الفرح و الصدمة. تتنقّل بين الكتب العربية و الإنجليزية جيئة و ذهابا. ترفع الكتب بهمّة لكي لا تفوّت أي كتاب في أسفل الصف. تجلس على الأرض لتراجع الكتب على المنضدة المنخفضة. تنطق كل فترة بكلمات مقتضبة مثل: الموضوع كبير, لأ لازم قعدة ... إلى آخر الكلمات التي تصف ما تشعر به و يؤيدها ما تفيض به نبرة صوتها و انطباعاتها. أفضل وصف وجدته يظهر في رأسي هو ما أراه من انطباعات الأطفال في محلات اللعب و الحلويات و هم يمرحون بين الممرات. لحظات وصفت الحب الأعظم للكتب. لحظات كانت كافية لبثّ روح جميلة في المكان و التأثير في مجموعة من الناس تراقب ما تفعله و تريد مساعدتها. ربما كان ذلك هو االمشهد الرئيسي الذي أذكره من ذلك اليوم و تليه مشاهد أخرى. فكيف يمكن أن يشعر شخص بمثل هذه الفرحة؟ نعم نحن نفرح و نستمتع و نفاجأ من موقف ما أو كتاب ما أو شخص ما, و لكن أن تصل السعادة إلى درجة تفيض فيها على الصوت و التصرفات, فذلك ما كان مميزا في هذا المشهد.

ربما يرى البعض أنني أبالغ في الوصف أو أضيف لمسات صوفية على الموقف, و لكن ذلك هو ما حدث, و ذلك هو ما رأيت, و ذلك ما كان بمثابة قطعة كرز أتمّت زينة اليوم الجميل.

من الجميل أن يبقى العقل في اتصال مع العقول الأخرى التي تمدّه بالطاقة و تصفّي روحه للاستمرار, و أن يلاحظ بعض المواقف الصغيرة التي قد تعدّل من مزاجه لساعة أو يوم أو عدة أيام.

اللهم أدمها نعمة, و احفظها من الزوال.

No comments:

Post a Comment

Powered by Blogger.