Thursday, March 31, 2011

مطلوب سكرتيرة

=====================
مثقفة
حسنة المظهر
صغير السن
ممشوقة القوام
متحدثة جيدة
اجتماعية
متفرغة للعمل
مطيعة للأوامر
كاتمة للأسرار
تقدّس الحياة العرفية
مطلقة/أرملة بدون أطفال
تمتلك شقة
تجيد الطبخ و خلافه
لايشترط الخبرة


... بنات الحلال يمتنعن
=====================


ربما أقرأ هذا الإعلان في يوم من الأيام .. فالإعلانات تقترب منه بشكل كبير

Friday, March 25, 2011

تحويل الدين لأساطير الأولين



الحمد لله على نعمة العقل. فبدونه كنت سأتطبّع بأخلاق مجتمعي أو دين أهلي كما يرونه أو سياسة جيراني أو لغة أصدقائي دون تفكير فيما أقول أو أفعل. و لكنها ليست نعمة بالشكل الكامل, أذكر بيت شعر قاله معلم اللغة العربية في المرحلة الثانوية ليقول لنا أن العقل ليس بالشيء السهل: ذو العقل يشقي في النعيم بعقله, و أخو الجهالة في الشقاوة ينعمُ. فمن يريد إعمال عقله دائما لا يكتفي بما لديه و يسعى للمزيد, و التحقق من هذا و من ذاك. و تزداد الحيرة عندما يظهر صراع بين طرفين مهمين. ما أتحدث عنه هو الصراع بين الجانب الملحد (العلمي الصرف) و الجانب الديني المتشدد (الديني الصرف). و حينها لابد من استخدام العقل لأن موضع الخلاف يكون في صلب العقيدة ولا يمكن تجاهله إلا إذا قتلت عقلي.

إصرار الملحد على إنكار الدين يجعله يجعل كل حدث ديني له تفسير علمي يثبت عدم الإعجاز به و أنه من وحي الأساطير, و إصرار المتدين المتشدد على إثبات صدق دينه يجعله يرفض التفسير الديني الذي قد يهز صورة الإعجاز التي كان يتشبث بها ليثبت على دينه. هذا الصراع ليس مقتصرا على دين بعينه, و لكنه موجود في اليهودية و المسيحية و الإسلام, بل و الديانات الغير سماوية أيضا. يريد العديد من رجال الدين أن يحيطوا معجزاتهم و أحداثهم و أوامر دينهم بسحابة غامضة لا يحلّ لأحد أن يدخلها, و في سبيل ذلك يضحّون بأهم نعمة أعطاها الله لهم, نعمة العقل. و تلك هي النقطة التي يرتفع بها الملحدون على حساب الدين, و يسيئون بها للمعتقدات الدينية المختلفة, و الفضل في ذلك يعود ليس لأحد إلا أبناء الدين نفسهم الذين يتحدثون في مالا يعرفون ولا يتقبلون الرأي الآخر.

من جوانب إلغاء العقل: رفض فكرة أن المعجزة لا يشترط بها أن تكون غامضة بقدر كونها أحداث تأتي في الوقت و المكان المناسبين واللذان لا يستطيع أحد ترتيبهما بهذه الطريقة إلا قوة الله الكبيرة, أو أن تأتي بأحد العلوم قبل أن يعرفها أهل هذا الزمان. سأذكر أحد الأمثلة المهمة في الصراع عديم العقل بين الملحدين و المتدينين: العشر معجزات في عقاب الله لأهل مصر.

قال الله تعالى في قرآنه الكريم: ( فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلاَتٍ فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ)[سورة الأعراف، 133], و آيات مشابهة في الإنجيل تصف "الضربات العشر":  تحويل مياه النيل إلى دم (خر 7: 14-25)، والثانية ضرب الضفادع (ص 8: 1-15)، والثالثة ضربة البعوض (ع 16-19)، والرابعة ضربة الذباب (ع 20-32)، والخامسة الوباء على البهائم (9: 1-7)، والسادسة ضربة الدمامل على الإنسان والحيوان (ع 8-12)، والسابعة ضربة البرد (ع 13-35)، والثامنة ضربة الجراد (10: 1-20)، والتاسعة ضربة الظلام (ع 21-29)، والعاشرة موت الأبكار (11: 1-12: 30).

تأتي جوانب العلم المختلفة (جيولوجيا, طب, طبيعة ..) لتضع تفسيرا لهذه الضربات العشر, و هذا هو التفسير باختصار: فنتيجة انفجار بركان جزيرة سانتوريني جاءت موجة تسونامي دفعت بمياه البحر المتوسط إلى مياه دلتا النيل. أدت المياه المالحة لقتل أسماك النيل و نشر بكتيريا في النيل و ما حوله. تفاعل البكتيريا مع الغبار و الرمل كوّن مادة حمراء حوّلت لون النيل للأحمر. فساد الماء و موت الأسماك دفع الضفادع لهروب جماعي من النيل نحو الأرض. و نتيجة غياب الضفادع ازداد معدل تكاثر الحشرات. و مع قدوم الغبار البركاني المحمّل بالمواد الحمضية أصيب العديد من الناس بالحكّة و التقرحات بالإضافة لحالات الاختناق للأطفال حديثي الولادة. و بالطبع حجب الشمس لأن الغبار البركاني ارتفع لعدة كيلومترات انتشرت على مساحات واسعة. و نتيجة حدوث هذا الانفجار في فترة قريبة من شهر بناير أو فبراير فكان البرد و الصواعق منتشرة بالإضافة لتأثير الغبار, فحدثت هجرة جماعية للجراد و منطقة شمال مصر هي محطة مهمة في خط هجرة الجراد فكان هلاك الزرع.

تفسير كهذا (و مثله لإهلاك أهل القرية بثوران بركاني و شق سيدنا موسى للبحر المتوافق مع التسونامي) يستخدمه الملحدون كثيرا كدليل على وهم المؤمنين بوجود الله و عقابه. و يرفضه بعض المؤمنين بالله و كأنه رمز لعجز الله (عز و جل) عن إرسال مثل هذه الحشرات و الرموز من العدم و لا حاجة له بأن يستخدم الطبيعة التي خلقها. بفرض صحة هذا التفسير, فإن حدوث هذه السلسلة من الأحداث هو أمر معجز. فمن يمكنه أن يُحدث مثل هذا التفاعل المتسلسل بهذه البراعة؟ و أليست هذه الأحداث تبرز قوة جنود الله من الأرض للهواء للحشرات؟ و بفرض عدم صحته, فإن لله (أو الكون في حالة الملحدين) سنّة و قوانين للانتقام من الظالم. و هذه القوانين يستخدمها الله (أو الطبيعة الأم) عند الحاجة لذلك.

نوع آخر من تحويل قصص المؤمنين لأساطير هو ادّعاء أن "الزمن غير الزمن" و أن "همّا فين و احنا فين؟". فأنا أسمع قصصا مثل ابتلاء الله لسيدنا أيوب, و تعذيب ماشطة ابنة فرعون, و زهد سيدنا محمد و الصحابة في حياتهم. و أجد في كل قصة عبرة, و إلا فلمَ أنزلها الله في القرآن و أمرنا أن نتفكر فيها و في حياة رسولنا؟ و لكن شيوخ كثيرون يصرّون على وضع التصرّفات في مكانة أعلى من متناول أي شخص, و يصرّون على وضع الحواجز النفسية التي تجعل أقصى تفاعل مع القصة هو "مصمصة الشفايف" و قول "الله" و كأننا نشاهد مسلسلا دون التفكير الجدي في محاولة تطبيق ولو جزء مما فعلوه. أعجبتني جملة قالها المفكر الإسلامي الدكتور محمد سليم العوا حين قال أن الصحابة أصبحوا أكثر ثباتا على الدين بعد وفاة سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم. فهم كانوا شديدي الاعتماد عليه في كل كبيرة و صغيرة, و بعد وفاته اضطروا لتطبيق دينهم و استنتاج الحلول للمشكلات الجديدة بأنفسهم. كثيرا ما يصرّ الدعاة و الشيوخ على وضع صور أناس مثل الصحابة في صورة السوبرمان, الشخص الكامل الذي لا ينقصه شيء.

أذكر في أحد دروس المؤّرخ و العالم الإسلامي الدكتور راغب السرجاني أنه ذكر نقاط قوة و ضعف في عدد من الصحابة, أذكر منهم الآن قوة التخطيط لعمرو بن العاص و ضعف حفظه للقرآن (أتمنى أن أكون تذكّرت المثال بشكل صحيح), و كان هدفه من سلسلة دروسه إخراج الصحابة من صورة المستحيل للامستحيل, فهُم أناس هداهم الله للإسلام و استغلّوا إمكانياتهم لطاعته. و في هذه الدروس فقط أدركت أن الصحابة هم بشر حقيقيون لهم حياة خارج الكتب. ما أقصد قوله هو وضع صورة إنسانية للصحابة و إيضاح طرقهم الخاصة للتميّز.

و لأذهب بتخاريفي هذه لأبعد من ذلك, أريد الحديث عن الصورة الدرامية المطبوعة بداخلنا عن نهاية العالم. صورة الحرب بين المسلمين و الصليبيين و الكائنات البشعة المسماة بيأجوج مأجوج ... إلخ. في خطاب لبعض الحاخامات يتكلمون عن ذكر تسونامي و زلازل في أعوام 2010 و حتى 2013 (و تحقق منها بالفعل زلزال و تسونامي اليابان الذي توقعوا حدوثه في 17 مارس 2011) و حرب نهاية العالم في عصر حكم أوباما. أيا كانت مواضع الصدق و الكذب في حديثهم (ولا ننسى صدق كلام الراهب "بحيرة" في تنبؤه برسالة سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم) فإن حدوث الأمور المذكورة في ديننا لا يجب أن يكون دائما في صورة أفلام Lord of the Rings أو The Mummy Returns و لكن لكل عصر أسلوبه. بالطبع لا أملك أن أقول أن نهاية عالمنا و قيام الساعة سيكون كاملا مع انهيار حضارتنا الحديثة, و لكنني لا أريد أن أحتفظ بتلك الصورة الخيالية التي يريد أن يزرعها كثير من الدعاة بداخل عقلي دون سبب واضح لذلك.

عندما فكّرت و بحثت و بدأت الكتابة لم أقرر كيف سأنتهي, ولازلت لا أعرف. فأظن أنني سأكتفي بالتوقف الآن ...

Wednesday, March 16, 2011

أنا مش بيس مع التعديلات


الكلام القادم لن يكون عميقا بالشكل الكافي, و لكن –صدّق أو لا تصدّق- هو أقصى ما استطعت الوصول إليه حسب تفكيري. لا أملك الكثير من الخبرة, ولا أملك المستشارين ذوي الثقة 100%. فلا أملك سوى قرائتي للتاريخ و لتفسيرات ذوي الخبرة من الطرفين من أجل الاستفتاء القادم. و بعد التفكير وجدت أنني لا أوافق على التعديلات من أول سطر.

فما علاقة الجنسية المصرية الخالصة بالموضوع؟ أسطورة من أساطير التاريخ (صلاح الدين الأيوبي) حكم مصر و لم يكن مصريا (من أكراد سوريا حسب ما قرأت قديما) و استطاع – في فترة قصيرة – أن يفعل ما لم يفعله المصريون أو العرب من إصلاح الاقتصاد و توحيد صفوف العرب (بالقوة في بعض الأحيان, فقد كان الفساد في كل مكان) و تحرير فلسطين. كذلك كان عمرو بن العاص الذي أعتبر فترته من أعظم الفترات المشرفة لديني. و لو نظرت للمصريين فسأجد أن الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك كان مصريا و كذلك خدّامه, فالموضوع إذًا ليس بالجنسية.

و ما ذنبي فيما فعله أهلي بي من امتلاكهم جنسية أخرى؟ أذكر موقفا حدث منذ عدة سنوات في المملكة العربية السعودية (كم أكره هذا الاسم المستفز) عندما منعت السلطات (أراح الله أهل الحجاز منها و من ملكها) مواطنا مصريا من أداء العمرة أو الحج بسبب اسمه. فقد كان اسمه "عبد الرسول". و بالعقلية التي تحكم هناك أتخيل بشكل يرقى لليقين سبب منعهم له. هذا شخص كان كل ذنبه أن أهله لم يمتلكوا الكم الكافي من العلم الذي يمنعهم عن ارتكاب تلك الجريمة. فما ذنبه؟

و لماذا أكون مصريا ناقصًا إذا تزوّجت من غير مصرية؟ أنا أذوب عشقا في حب فلسطين. و أتمنى من كل قلبي أن أدخلها محاربا أو زائرا. فهل إذا تزوّجت من فلسطينية أكون ناقصًا؟ لم هذه الشروط العنصرية السخيفة؟!

ثم آتي للسبب الثاني في رفضي. هل أنا كمواطن يسكن في حي "عين شمس" أجد من يمثّلني الآن في مجلس الشعب أو الشورى؟ و أثق في تفكيره و اتجاهه اللذان سيشاركان في اختيار اللجنة التأسيسية التي ستضع الدستور الجديد؟ منطقتي مثل الكثير و الكثير من المناطق في العاصمة و الأقاليم, صوت الفقر و الشقاء يغطيان على صوت العقل, و لا ألومهم على ذلك فهذه كانت طريقة نشأتهم و هي صعبة التغيير بين يوم و ليلة. في عين شمس ذهب الكثيرون لانتخاب المدعو "ناجح جلال" لإنجازاته "العظيمة" -قبل الانتخابات بعدّة شهور-. فقد رصف الشارع حول مدرسته (عائلته تمتلك سلسلة مدارس), و أذاع مباريات المنتخب في فناء المدرسة للأهالي و نظّم رحلة لحديقة الأزهر لأهالي إحدى المناطق. و بعد أن خسر في الإعادة اختفى تماما و كأن الخدمات غير ممكنة خارج المجلس الموقّر. ولا داعي للحديث عن المدعو "ميمي العمدة" ذو التاريخ "العظيم و المشرّف". هؤلاء كانوا من مرشحي الوطني ولا يظهر بجانبهم إلا مرشحو الإخوان, و هم أيضا ليسوا في دائرة ثقتي –رغم اعتزازي بزملاء من الإخوان- ثم بعد المستقلين الذين لا يعرفهم سوى جيرانهم. و عن مناطق شعبية و ريفية أخرى سمعت أحاديث كثيرة عن "التراضي" بين العائلات, و اعتزاز الطبقات المؤثرة بشخصيات بعينها بسبب إنجازات –من وجهة نظرهم- تبدو صعبة التحقيق. ربما يختلف الحال بعد التغييرات الكثيرة التي حدثت, و لكنها مخاطرة لا أقدر على الدخول فيها و خسارة كل ما سبق بسببها.

لا أنكر أن هناك من يؤيدين لأسباب مختلفة و طويلة, و هناك من يعارضون لأسباب مختلفة و طويلة أيضا. و لكن ما يقلقني هو التأييد للإسراع نحو "الاستقرار و دفع عجلة الإنتاج" دون معرفة بالأسباب الكبرى وراء تعطّل المصالح و انتشار الجريمة. فلا أنتظر من سائق الأتوبيس الذي كان يتحدث اليوم مع العديدين (أغلبهم مؤيدون لأن الإخوان و البرادعي عايزين مصلحتهم و احنا عايزين مصلحتنا الشخصية ان الموضوع يخلص بسرعة) أن يدخل في مناقشة طويلة أو يطالع البرامج الحوارية الطويلة ذات الأساليب صعبة الفهم للطبقات التي أهتم بها. فهذا الإنسان المطحون يعاني من قلة الدخل و كثرة الديون, و حسب تعبيره "كل واحد دماغه فيها اللي مكفيها", و إنهاء حالة عدم الاستقرار هي سبب أكثر من كافٍ له. أنا أقبل بنتيجة الاستفتاء طالما أنها كانت بنزاهة, و طالما أن أغلبية الشعب (أو المصوتين) قالت كلمتها. و إن كنت لم أستطع أن أخدم بلدي بالخطة الذي أريدها فيمكن البحث عن طرق أخرى بديلة حسب المتغيرات. و حينها يمكنني العمل من جديد على نشر أبسط أشكال الثقافة بين أهلي في الشارع و المواصلات العامة (أو أي مكان أصل إليه) لكي "أستمتع" بالحياة داخل بلدي, فالناس جميلة جدا من داخلها, و لكن الغبار يتراكم عليها مما تراه يوميا و على مدار الساعة.

شكر خاص للإعلام, فقد أتحفنا بالمراجع و المعاجم التي تتكلم و تمشي على قدمين, دون اعتبار لاختلاف ثقافات المشاهدين.

Friday, March 11, 2011

البحث عن خطبة


ليست خطبة الزواج, و لكنها خطبة الجمعة. إنها محاولتي للبحث عن مسجد أستفيد من خطبته بدلا من قضائي لوقت إجباري يعيد لذاكرتي أيام محاضرات الكلية المملة التي كنت أحضرها فقط من أجل "ورقة الغياب".

كنت أصر على الصلاة في مسجد في محيط سكني كنوع من "الانتماء" و "الارتباط", و أن وجود كل إنسان في مكان هو اختبار له تماما مثلما اختبر الناس في السابق في أهلهم أو قومهم أو صحتهم, و أن الاختلاط بتجمعات أهل منطقتي هو معرفة لطباعهم. و كالعادة كانت سلسلة الإحباطات التي تُوِّجَت بإحباطات فترة ثورة 25 يناير. كنت أحاول ملاحظة كل مسجد أدخله لعدة مرات, من صوت السماعات "الهورن", للأذان, لمدة الخطبة و مضمونها, لأسلوب إلقاء الخطيب و ملاحظته لتصرفات الحاضرين. لا أعرف من أين أبدأ و كيف أصف كل نقطة. سأقول أول مثال في ذهني ثم أحاول التفسير: من شاهد المسلسل الإيراني "يوسف الصدّيق" و رأى كهنة معبد آمون فقد يعرف ما أعنيه.

بداية من حب الميكروفون و التلذذ بصوته العالي في حرب الميكروفونات. ففي منطقتي - عين شمس – يوجد بين كل مسجد و مسجد, مسجد. حيث هذا المسجد قد يكون جامعا كبيرا أو زاوية أو بناء معماري غير مفهوم. و الأصوات بين هذه المساجد تنتشر مثل الحيوانات الهائجة. فيكفي أن تقف عند أحد المساجد لتسمعه مع أصوات مسجد أو اثنين حوله. و يتفنن كل كائن حي مسئول عن المسجد في رفع الصوت و دعمه بسماعات "الهورن" التي تضمن إيصال صوته للأموات في كوالالامبور. و إذا تكلّمت معه فكأنك دعوته لدين الصابئة أو أمرته أن يذكر آلهته بسوء! ناهيك عن صغر سنّك و عدم امتلاكك للحية تجعلك شيخا ذو رأي يُحتَرَم!  فهو صوت الإسلام العظيم الذي يجب أن يصل لكل كائن في كل مكان, صحراء كان أو بستان. و بخلف كل ميكروفون تجد من يعاني من مرض "حب الظهور" و ينتظر الفرصة ليمسك بالميكروفون و يعوض مسابقة "سمّعنا صوتك" التي خسرها في التصفيات النهائية! فهو لا يستطيع الغناء و الآن جاءت فرصته لـ"الليل و العين" – "إسلاميك فيرجن". حتى و إن خالف أبسط قواعد اللغة التي تجعل من الأذان جهر بالكفر و تبديل للمعنى بدلا من الدعوة للصلاة و الخشوع. ولا مانع من بعض "المؤثرات الخاصة" مثل صدى الصوت الشهير في فيلم "رابعة العدوية".

ثم آتي لمضمون الخطبة الذي يشبه في كثير من الأحيان قصص فجر الإسلام التي تذاع على القناة الأولى في رأس السنة الهجرية و ليلة القدر – بعد مسلسل غادة عبد الرازق -. نفس المضمون الخالي من أي ربط بين أحداث الماضي و ما نعيشه. نفس المضمون الذي يجعل من مواقف الصحابة و التابعين شكلا من أشكال "أساطير الأولين". نفس المضمون الذي يرتبط في كثير من الأحيان بالتقويم الهجري و ينعزل عن الأحداث الجارية أو طبائع المستمعين. فلا مانع من أن يستمع المصلّي إلى أمثلة للتقوى و رحمة الله بعباده و "يمصمص" شفتيه و يقول "الاااااااااااه" من وقت لآخر كـ"أجدع واحد في حفلة الست" أو يكتفي باللعب في أصابعه أو استكمال حلم ليلة البارحة, ثم يخرج ليسبّ ابنه بالأب و يلعن "دين أم أخوه".

ظللت على هذا الحال حتى قبل ثورة 25 يناير. و قد ضقت حالا بخذلان أهل منطقتي لي مرة بعد مرة, بين رقص أحد أصحاب الجوامع على أنغام "الدي جى" في الشارع و إزعاج البشر, إلى رفع صوت أحد المساجد و اتخاذه إذاعة خاصة عند وجود كتب كتاب, إلى إلقاء بعد الآراء و الفتاوى التي تفتقر إلى صحة السند, إلى رفض أن يكون المسجد مكانا لأي كلام حديث يوجّه الناس بأسلوب مفهوم. و هنا لابد من شكر خاص لأمن الحكومة الذي يترك كل إمام يفعل ما يفعل طالما لا يذكر شيئا عن أمن الدولة العليا أو الحل الصحيح لحلقات المفتش كرومبو. فجاء يوم 28 يناير –مع منعي من التظاهر بحجة العقوق- فقررت ألا أنزل لهذه الخطبة حتى ولو تم أخذ الغياب. و بالطبع فالصوت يصل لي و أنا على الكنبة في البيت. فلم تعد هناك فائدة من هذه المعابد و كهنتها. و قررت أن تكون صلواتي اللاحقة في مسجد ذي قيمة في أي مكان. في يوم التنحّي قررت الصلاة في مسجد "يوسف الصحابي" في مصر الجديدة. فهو مسجد عزيز عليّ, و يبعد عدة محطات عن قصر الرئاسة في حال قررت "العقوق". فوجدت خطبة جمعة غاية في الروعة. حالة من النشوة وصلت إليها و أنا أستمع للربط المحكم بين أحداث عصر الرسالة و الأحداث الحالية. حالة نشوة عرفت منها كم الحرمان الذي كنت أعانيه في الفترة الطويلة السابقة في مساجد منطقتي و المساجد التي كنت أصللي فيها إذا حان وقت الأذان و أنا أقضي أي مصلحة.

بالطبع ظننت أن هذا من باب المصادفة, و انتظرت للجمعة التالية. فوجدت خطبة تنافس السابقة في الروعة. متدرجة في نوع المعلومات حسب درجة معلومات المستمع (فذلك عامل مهم أحاول ملاحظته). و تحثّ على البحث و الاستماع و – الأهم من ذلك – التفكير. ظننت – مرة أخرى – أن هذا بسبب حالة الحرية المنتشرة في الشهر الأخير, و ربما حدث ذلك في معابد عين شمس. اليوم استيقظت متأخرا فلم أجد الوقت الكافي للذهاب فصلّيت في مسجد قريب كنت أصللي فيه حتى وقت قريب, و قررت أن ألاحظ الفروق. و لدهشتي – البسيطة جدا - فقد كان الفرق ليس بالكبير. ربما استفدّت ببعض المعلومات الجديدة ولكنها ليست بالأمر الكبير و لا المهم في هذه الفترة. فالمسجد ليس لمجرد نقل التعاليم من الكاهن للزوّار. و بعد انتهاء الصلاة مررت بمسجد آخر كنت لا أحب الإمام فيه, إمام غليظ الكلام, مرتفع الصوت, متكرر الدعوات التي تطلب من الله أن "يرينا عجائب قدرته", و أن "يهلك أحفاد القردة و الخنازير", و أن "يرزقنا الحاكم الصالح" (فالحاكم قسمة و نصيب زي الجواز بالظبط), و أن "يرزقه الصحبة الصالحة التي تحمينا منه و تحميه" (ذات الدعوة للحاكم المخلوع السابق), و لا أعرف مضمون الخطبة الخاصة به هذه المرة فقد وصلت لدرجة لا أقدر بها على تحمّل هذا الكلام. و كفاني ما استمعت إليه من بعض الدعوات أثناء مروري, و لأول مرة ألاحظ التشابه بين صوته و صوت "نظير جيد روفائيل - شنودة الثالث"!

كان ذلك كافيا لكي أستمر في الذهاب لمساجد أخرى, و انقطاع أي إحساس بالمسئولية تجاه هؤلاء البشر الذين يعيشون في قوقعة و "يتمزّجون" من أسلوب حياتهم. ربما يأتي يوم أمتلك فيه سلطة تحثّني على إعادة المحاولة, و حتى ذلك الحين فليفعل كل إنسان ما يريد .. أو كما في الأفلام "الأمريكاني": فليذهب إلى الحجيم .. أو إلى عين شمس.
Powered by Blogger.