Friday, December 28, 2012

المطرب للمطربة, تعالي صلّي معانا

كلما امتد أجلي على هذا الكوكب, كلما رأيت تناقضات داخل نفس المجموعة, بل داخل نفس الإنسان. و هذه المرة رأيت تناقضا لم أستطع أن أبرره.

منذ حوالي أسبوع - قبل "نهاية العالم" بأيام -, كان يذاع برنامج "صوت الحياة" - نسخة احتكارية سيئة التنفيذ من برنامج The Voice -. و في بداية البرنامج كان مقدم البرنامج يجري حوارا مع المتنافسين النهائيين. و جاء سؤال: "ماذا ستفعل يوم الجمعة؟", فكانت الإجابة المنطقية: "هاصللي الجمعة". رغم انتشار الخبر بين الشباب و مستخدمي الإنترنت بشكل خاص, إلا أنه لا مشكلة من تجاهل أو عدم معرفة شيء عن هذا الهوس الذي أصاب الغرب و أتباعه عن "نهاية العالم كما توقع شعب المايا" (رغم التشكيك في الفكرة من بعض الأصوات الخافتة). الغريب هو ما حدث بعدها.

عندما انتقل مقدم البرنامج للمتسابقة ليسألها عن ماذا تفعل يوم الجمعة (يوم نهاية العالم). فكان ردها: "هاغنّي و أتدرب عشان المرحلة اللي جاية". و حتى الآن لا مشكلة أيضا, ففكرة نهاية العالم لا تستحق الاهتمام بها أصلا. و لكن ما لفت نظري هو تعليق المتسابق الأول عليها: هاتختميها بغناء, ما تيجي تصلّي معانا؟" ... هنا كان اندهاشي.

لكل رأيه في الغناء. و أيا كان رأيه في تحليل أو تحريم الأغاني أو امتزاج الحلال و الحرام بها, فالموقف هو الذي جذبني و أثار دهشتي. أنت في مسابقة للغناء, و تريد أن تحترف الغناء ليصبح محور حياتك و مصدر دخلك, ثم تنكر عليها الغناء في آخر لحظات العالم! إذا كان عملك لا يصلح لأن تموت عليه فلماذا تفعله؟ و إن كنت محتاجا للمال - افتراضا - و لا سبيل آخر لذلك, فلا يبدو عليك أنك مضطر, بل مستمتع!

في مواقف عديدة لا أهتم برأي غيري بقدر ما أهتم بمقدماته و استنتاجاته. فالمنطق عندي أهم من القرار التالي له, لأنه الأساس. لذلك في مواقف أخرى قد أحاول إيجاد مبرر للرأي المقابل لي, أما هذه المرة فلا أستطيع إيجاد المبرر لهذا الموقف. و لكن يبدو أن في بعض الأحيان لابد أن أكتفي بالمشاهدة و التعجب في صمت حتى تأتي لحظة سفري خارج هذا الكوكب.

Monday, December 17, 2012

رفضت الدستور فقلت له نعم

مليونية "عايزين نروح أشغالنا", يوميا في ميادين مصر المحروسة من العين و النني


منذ يومين كان الاستفتاء في محافظة القاهرة على الدستور الجديد. دستور توافقي من ناحية جديدة, هو أنه لا يرضي أحد. لا هو دستور إسلامي, و لا علماني, و لا عسكري, و لا حتى وسطي. و بالتالي فهو دستور اتفق الناس على كراهيته.

كنت من ضمن الرافضين له و هم كثيرون -هذه المرة الأرقام هي التي تكلمت-. رفضته بسبب ميوعته و عمومية ألفاظه التي قد تأتي بالقانون و نقيضه حسب تفسيرنا له. فإذا كنا نتجادل في تفسير مواد مثل مبادئ الشريعة و المحاكمة العسكرية للمدنيين و إجراءات الضبط و الحد الأدني للمواطن و شروط الرعاية الصحية .. إلخ, فكيف سيكون النقاش في القوانين؟ بل يوجد من رفضه من أساسه بسبب طرق اختيار لجنته التأسيسية.

يقال أنك تتثبّت من قرارك عندما تنظر لمن معك في نفس القرار. و إذا فعلت ذلك في المؤيدين و المعارضين و المقاطعين, فستجد أن كل طرف مليء بالأشكال الضالة. منهم من يرفض نكاية في النظام الحالي, و منهم من يرفض نكاية في الشريعة -و لو كانت المبادئ-, و منهم من يقاطع ليهدم شرعية الاستفتاء و يجهّز للانقلاب على النظام الحالي -وهو ما يبدو أنه سيحدث-, و منهم من يوافق من أجل أن تسير العجلة و إن كانت لا تصلح للعمل, و منهم من يوافق لأن الدستور التوافقي هذا قد خدم مصالحه. و منهم من قاطع لأنه لا يهتم و لا يريد "وجع دماغ". و في كل الحالات, فالنتيجة لن تفرّق بين من اختار عن نية طيبة أو فاسدة. و بين هؤلاء و هؤلاء تجد من رفض أو وافق أو قاطع لأسباب منطقية. و قد كنت من المقاطعين لأنني لم أرض بنصف حل. فالدستور هو العقد الأولي بين كل من يعيش داخل الأسلاك الشائكة لهذا البلد و بين من يديرون أمورها, و الدستور الحالي يعطي الفرصة للصالح و الطالح بسن القوانين التي يريدها لأن ميوعة الدستور تسمح بذلك. و بذلك يصبح العقد غير واضح ولا أوافق عليه, فلن أوافق على عقد لم يُكتب بعد!

و رغم ذلك, غيرت رأيي و ذهبت يوم الاستفتاء و وافقت على الدستور بشكله الحالي! لماذا؟ أخذا بالمثل الشعبي الذي يقول: "ما أسخم من سيدي إلا ستّي". فإن كان الإخوان يخطئون كثيرا و لا يقولون الحق كاملا, فالمعارضة أسوأ و ألعن منهم.

معارضة تزيّف الحقائق. معارضة تظهر أجزاء من الحقائق لخدمتها, تسبّ الغير و رغم ذلك تخوّن و تسفّه من ينتقدها. تعترض على جرح لأتبعاها ولا تأبه لأرواح مخالفيها. تحرق مقرات مخالفيها و لا تأبه لجرائمها, و تولول على هجوم على مقر لها و تسارع باتهام المخالفين. تعتبر حصار المنشئات حقا لها, و حرام على مخالفيها. تتكلّم عن تأييد الشارع, ثم تصدح بنداءات البطلان و التزوير إذا خذلهم الشارع. تتباهى بشعب مصر العظيم, ثم تتهمه بالجهل إذا كانت الكفة مع المخالفين. تتباهى على شاشات القنوات التليفزيونية  و الإنترنت بأعداد "مليونياتها", ثم تدّعي أن "العبرة ليست بالعدد" إذا خرج المخالفون لهم "بمليونية" مضادة.

و لأن هذه الحلقة لن تنتهي, ولا يوجد في التاريخ ما يسمى بالتوافق, فقد اكتفيت بمادة واحدة في الدستور لأوافق عليه. المادة التي تسمح بتعديل مواد الدستور في مجلس الشعب بالأغلبية. بذلك تنتقل المعركة إلى الداخل, يكفي صياح و قتال و ادّعاء أرقام أو تأييد. من يريد أن يغيّر فعليه أن ينزل الشارع و يقنع الناس بأفعاله و خدمته لهم ليدخل البرلمان و يصبح الأغلبية. و من يريد الاكتفاء بالكلام فليس له مكان. إن كان أي طرف يريد خدمة الناس فليفعل و يأخذ حق التشريع كمكافأة. و عندما يفعل أحدهم ذلك, فأنا أثق أن الناس سترضى عنه. و لأنه الأغلبية, فأغلبية الناس ستوافقه. و بذلك أنتقل من المثل الشعبي السابق إلى المثل الآخر: "الطيور على أشكالها تقع" و "ربنا يهنّي سعيد بسعيدة".

أحيانا لابد من الجازفة و إن كانت مبادئك تناديك على الضفة الأخرى ...
Powered by Blogger.