Sunday, January 29, 2012

اذهب إلى الحديقة

في الترجمة العربية للأفلام الأجنبية نرى جملة: "اذهب إلى الجحيم". و في كثير من الأحيان لا تكون ترجمة حرفية. و مع تكرار هذه الجملة -بل و استخدامي لها في بعض الأحيان- بدأت أفكّر فيها كثيرا. هذه الجملة - و أشباهها من كلمات الإهانة- لها أضرار متعددة, و بالتحديد ثلاثة أضرار بين الناس:

1- ضرر على القائل: فهذه الجملة تعكس العنف بداخل الشخص الذي أصبح لا يطيق الشخص الذي أمامه, بل و تعدّى ذلك لتمنّي الشر. فعلى المدى الطويل يؤثر ذلك السلوك على طبيعة الشخص و عاداته. و كما تقول المقولة الشهيرة: بناء العادة يحاج لـ21 يوم. فأنا إن تعوّدت على السبّ و اللعن سأجد البذاءة تخرج من فمى دون أي مجهود يُذكَر. ناهيك عن تعكير المزاج و إفساد اليوم -أو عدة أيام\شهور-.

2- ضررعلى المستمع: هذا الشخص أيا كان سلوكه, سواء كان على صواب أو خطأ, سيتأثّر ما يسمع. فالسلوك العنيف -ولو بالقول- سيستفزّ المستمع و ربما يكون دافعا له لمزيد من العنف -ولو بالقول-. و نتيجة لذلك يكون القائل متسببا في كثير من الضرر على نفسيته\عاداته و نفسية\عادات غيره. فلو كنت تؤمن بـ"الصدقة الجارية", فربما تفكّر في "السيّئة الجارية" التي تشابهها.

3- ضرر على العلاقة بينهما: عندما يفترق شخصان, قد تظل العلاقة بينهما جيدة. فذلك لم يستطع الحياة مع زوجته, و تلك لم تحتمل عادات زميلتها في العمل ... و لكن رغم ذلك تجد حالات افتراق بأشكال مختلفة مع استمرار المعرفة الحسنة في أضيق الحدود. و لكن عندما تقطع علاقة ما بأسلوب مهين أو طريقة عنيفة, فلا تتوقع أن تستمر مثل هذه العلاقة ولو بإلقاء السلام. فإن لم تهمّك العلاقة الإنسانية, ففكّر في العلاقة المادية. لربما تجد هذا الشخص في منصب رفيع بعد عدة سنوات, و لربما تجد هذه الفتاة المهمَلة في موقع حيوي بعد أشهر من إهانتها. فلِمَ تضيع مثل هذه الفرص التي تفوق احتمالاتها الجيدة أضرارها؟

خلاصة القول أن العنف لا يحصد إلا عنفا. و طالما لم أجد فائدة من السلوك العنيف -و إن كان لا غنى عنه في بعض الحالات- فلِمَ لا أسلك الطريق السلمي؟ و هل سأجد فرقا إن ذهب هذا الشخص إلى الحجيم أو إلى شاطئ البحر؟
لماذا لا أستبدل "اذهب إلى الحجيم" بـ "اذهب إلى الحديقة"؟
فطالما لا أحتمل ذلك الرجل أو تلك المرأة, أو رأيت أذى من التعامل معهم, ولا توجد فائدة واضحة من اشتباك عنيف, فلماذا لا أستمتع براحة أعصابي و صفاء ذهني و أطلب منهم الذهاب -أو أذهب أنا- مع الحفاظ على بعض الخيوط الرقيقة بيننا؟

الأمر في النهاية هو حساب لمقدار المكاسب و الخسائر في العلاقات الإنسانية. و كلّ حرّ في استراتيجيته.

Wednesday, January 18, 2012

ماذا لو اختلف وصف الجنة

بداية أقول ان هذه التدوينة لا تصل إلى أي استنتاج -و لا أتوقع أن تصل- و لكنها نزهة تفكير ذهبت بها عندما حاولت أن أفكّر في الفرق الشاسع بين تفكير العبد المخلوق و الرب الخالق. و السبب في تدوينها و عدم تركها داخل رأسي هو أنه ربما يصطدم أحدهم بهذه التدوينة و يجد أن فكرتي المكتوبة مشابهة لفكرته, و عندها يعلم أنه ليس وحده في هذا العالم, و أننا كثيرون و لكننا لا نتقابل, أو ربما نخاف من التعبير عن أفكارنا.

كنت منذ عدة أيام أفكّر في وصف الجنة, و في النقاء الذي يسعى إليه الإنسان, و طبيعة الإنسان الأرضية, ثم ظهر في رأسي هذا التساؤل: هل بعد أن يصل العبد لدرجة من الخوف أو الحب أو الخشوع تجعله يستغني عن البذخ و الإكثار من المتع أيا كان نوعها, هل سيريد حقا أن ينعم بهذه الأشياء في الآخرة إلى الأبد؟ إلى مالانهاية؟ ألا يفترض بالإنسان أنه يصل لدرجة من النقاء قبل دخول الجنة (ونزعنا ما في صدورهم من غل)؟ هل ستظل أفكارنا بنفس دنيويتها؟ هل سنظل نشتاق للمتع الأرضية حتى بعد أن نرى الله و الملائكة و نري مجتمعا جديدا لا يرى قيمة لما نقدّره نحن؟ ماذا لو كانت الجنة مختلفة؟ مجرد افتراض جدلي, ماذا لو كان وصف الجنة هو مجرد تشويق لنا و نحن مازلنا في حالة تشوّق لكل ما هو أرضيّ من النعم؟

لأوصل تفكيري بشكل أفضل, سأضرب مثالا من حياتنا الأرضية. عندما يحث الأبوان أطفالهما على الاجتهاد في المذاكرة و دخول أفضل الكليات و المعاهد العلمية و العمل في أرفع و أندر المواقع, هل يبدؤون مع الطفل ذي الأربع سنوات بقولهم: إذا اجتهدت من الآن سنهديك محاكيا للفوتونات و لربما تصبح لائقا للعمل في يوم ما على أحد مصادمات الجزيئات الدون ذرّيّة؟ أم أنهم ينزلون لمستوى الطفل الصغير و يقولون "علشان ننبسط منّك" أو "عشان نروح جنينة الحيوانات في الأجازة" أو "نجيبلك شوكولاتة كبيرة من اللي بتحبها" .. إلى آخر الأمثلة التي نسمعها؟ على الرغم من أن الطفل إذا كبر و وصل إلى مستوى متقدم من العلم فسيعرف قيمة هذه الأجهزة و التجارب المعقّدة و أنها لا يمكن مقارنتها برحلة لرؤية حيوانات حبيسة أو أكل قطعة كبيرة من الحلوى, إلا أنه حتى يكبر سيظل متعلقا بأشياء تفقد قيمتها كلما كبر عقله و زاد استيعابه.

و بالرجوع لأفكاري -المختلّة في نظر البعض-, أفكّر في أن الله مطلق العلم بحيث لا نستطيع نحن البشر أن ندرك علمه, ولا تكفي أحبار الدنيا كلها لتدوين علمه. فكيف سيوصل لنا الله فكرة استحسان العمل الطيب و البعد عن الظلم و ترك الملذّات الزائلة؟ عقلنا البشري -بالرجوع للمثال السابق- هو عقل متدنٍّ جدا بالنسبة لعلم و حكمة خالقه, و بالتالي فالإنسان قد يترك إحدى اللذّات في الدنيا (قطعة شوكولاتة مثلا) لأجل لذّات مضاعفة في الآخرة (لوح كبيييييير جدا من الشوكولاتة), و لن يقتنع إذا وصف الله له -مثلا, فهو علم غيب- عالما نورانيا ترتفع فيه الروح كلما زاد نقاؤها. بالرغم من أن هذا العالم قد يكون أفضل بملايين المرات من عالمنا الأرضيّ بملذّاته, إلا أنه حتى هذه اللحظة لا يمثّل لنا شيئا ولا يحرّك همّتنا.

أردت أن أقول أن وصف الجنة كان يشكّل لي نوعا من الالتباس, ففي الجنة ما لا عين رأت و لا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر, و بالرغم من ذلك أجد وصفا لنخيل و أعناب و خمر و لبن و عسل و أرائك و حور عين (للرجال, و لا وقت للدخول في جدال وصف الحور العين للرجال و جزاء السيدات, و إن كنت أرشّحه للقراءة), و أجد وصفا لقصور من لؤلؤ و خدم يطوفون بالكؤوس. كل تلك الأشياء يوجد مثلها في الدنيا, و احتسابنا عند الله أن ما في الجنة سيكون له جمال فائق لما نعرفه و لذّة لم نشعر بمثلها. و من هنا جاءت الفكرة في أن هذه الأشياء ربما تكون تحفيزا للروح بما تعرفه من لذّة أرضية, ولا أظن أنني لو ارتفعت في المكانة (أسأل الله الجنة) و وجدت شيئا مختلفا تماما يناسب مكانتي الجديدة و هيئتي المختلفة أنني سوف أحزن. فالله قد وعدني بما يفرحنى و ينسيني أشد الابتلاءات (عن حديث سيدنا محمد صلى الله عليه و سلّم: يؤتى بأبأس أهل الأرض في الدنيا من أهل الجنة، فيغمس في الجنة غمسة واحدة، فيقال له: هل رأيت بؤساً قط، هل ذقت بؤساً قط؟، فيقول: لا، والله، ما ذقت بؤساً قط), و ها قد تحقق, فلمَ الحزن؟

كل ما أختم به (فلا أجد خاتمة مناسبة) هو أن الله يعرف ما نحبه و ما نكرهه, و هو الأدرى بما يناسبنا من ثواب و عقاب سواء في الدنيا أو الآخرة. و كما وعدت, لا يوجد أي درس كبير مستفاد أو استنتاج أكتبه, إلا مجرد تساؤلات عقل و شطحات إيمان و ثقة في الله.
Powered by Blogger.