Saturday, May 19, 2012

البحث عن دين: 2- من أين أبدأ



بعدما سردت الأسباب التي تجعل الرحلة ضرورية, وجدت المشكلة التي أجدها في أي مجال جديد أدخله: من أين أبدأ؟
هل أثق في رأي من حولي؟ هل أستمع للإعلام؟ هل أحضر دروسا؟ هل أكتفي بمن سبقني و أستمع لخلاصة شخص درس الأديان؟

و لأنني أصبحت لا أثق ببني آدم بشكل عام, و لأن الثقة تقل يوما بعد يوم مما أراه و أسمعه, وجدت أن الحرص مطلوب في معرفة خياراتي و فوائدها. و هذه هي الآراء التي وجدتها:

  • "اسأل أهل العلم و تعرف من خلالهم لماذا دينك عن غيره, و قوّ معرفتك بدينك": من هذا الرأي توجد فائدة, إيجاد مميزات الإسلام عن الأديان الأخرى و معرفة عيوبها. و منه كانت الآراء الأخرى في أن أقرأ و أستمع لمن يشكر في المسيحية و يهاجم الإسلام, أو موقع ملحد ينتقد الأديان. فمن سيجد ثغرات و عيوب الأديان أفضل من معارضها سواء كان له دين أو ملحد؟
  • الحوار: و حيث أن المجال في بلدي ليس مفتوحا للمناظرات, فقد وجد طريقين: الأول هو مشاهدة مناظرات على مستوى القمة, و وجدت أن المناظرات الشهيرة كانت لرجال مثل أحمد ديدات و ذاكر نايك و غيرهم و من يقابلهم من رجال الدين المسيحيين المعروفين بالمناظرات أو التبشير. و الطريق الثاني هو الحوار مع مواطنين مثلي يدينون بالمسيحية أو اليهودية, و هو الأمر الصعب لأمر غير معتاد في مجتمعنا فكان في أضيق الحدود مع زملاء لي في فترة الدراسة أو عبر الإنترنت في الشبكات الاجتماعية. ميزة الحوار – و بخاصة بين الأفراد العاديين- هي معرفة ما يقال عن ديني و عن دينهم و مدى عمق الدين في حياة عيّنات أفترض فيها أنها تعمل و تفكّر. ربما ليس ذلك بالمجال الجيد للعلم أو حتى لأخذ مؤشرات, و لكنه جيد لكسر الحاجز و معرفة مدى وصول ديني للأفراد و مدي وصول دينهم لي من الخلال الوسائل اليومية من إعلام و تجمعات دينية.
  • تعرّف على الدين لا على المتدينين: هذا هو الرد التقليد لأي شخص يجد من يهاجمون دينه كنتيجة لتصرف بعض المنتمين لذلك الدين بشكل خاطئ. و هذا هو طريق آخر: أن تقرأ كتب الدين بعيدا عن تصرّفات الأشخاص الذين ربما يعملون بالتعاليم كاملة أو حتى يتركونها كاملة. هذه هي العودة للأصول.

من هذه الطرق, ماذا كان الطريق الأمثل؟ جوابي كان: كلها. فكل طريق ليه ميزته التي لا توجد في الطرق الأخرى.


هناك أمر آخر لابد أ يوضع في الاعتبار أيا كانت الطريقة التي يختارها الإنسان: الالتزام بشروط و آداب المناقشة و البحث العلمي. و هذه هي الشروط التي رأيتها واجبة و وجدت أن كل جهدي سيكون إلى زوال و بلا فائدة إذا لم ألتزم بها:

  • التزام الحيادية في البحث و الحوار, فلا فائدة من "بحث" حقيقي إن كنت قد اتخذت قرارا مسبقا. فهذا سيسمى اطلاعا لا بحثا حقيقيا.
  • عدم وضع أي أمر محل مقارنة لحين فهمه بشكل كاف و معرفة تفسيره و الأمور المرتبطة به من توقيت و بيئة.
  • فتح العقل و القلب و عدم الخوف من الاقتناع بما تقرأ طالما أنك تبحث عن الحق و تثق في عقلك و قلبك و فطرتك. فكما لا يمكنك أن تقنع شخصا قد اتخذ منك موقفا دفاعيا, لا يمكنك أن ترى الحق طالما أنك أغلقت عقلك و قلبك من قبل أن تقرأ أو تسمع.
  • و أخيرا, أذكّر نفسي بأنني لو كنت في عصر الرسالة فهل كنت سأؤمن بالنبي المرسل؟ أم كنت سأغلق الباب على نفسي و أكتفي بالموت على دين آبائي و أجدادي؟ هل كنت سأستمع لهذا النبي المرسل (صادقا كان أو مدّعيا) أم كنت سأشارك الجماهير و رجال ديني أو كهنته في إهانته أو الصد عنه دون تفكير؟

تلك كانت الطريقة التي انطلقت منها و بها. و إن كان في العمر بقية, أكتب ما يفتح الله عليّ به بعد هذه المرحلة.

Saturday, May 5, 2012

البحث عن دين: 1- المقدمة


منذ عدة شهور تقترب من السنة, كنت في رحلة فكرية و روحية بين مناظرات دينية و كتب و دروس لكي أتأكد من اختياري الصحيح لديني و أنني لا أدافع عنه بحكم ولادتي فيه. و كانت غايتي أن أشارك بخلاصة ما مررت به و أعلن الشهادة بشكل رمزي كدليل عن اختياري للإسلام عن علم لا ولادة. و لكن كما يقال: كلما زاد علمي زاد جهلي, و طالت الرحلة بشكل مطّرد لم أتخيله عندما بدأت. لذلك فكرت في أن أرتّب أفكاري تحت عناوين محددة لتزداد الرؤية وضوحا. و لكي أفيد بما فكرت و أستفيد من المناقشات أو الملاحظات.

بدأت بوادر الرحلة منذ سنوات قليلة, عندما كنت أعطي ملاحظة هنا و ملاحظة هناك عن عادات يومية أو طقوس عبادة مثل: طريقة الجلوس الصحيحة في الصلاة, سبب الصلاة بعد أذان الجمعة و قبل الخطبة, إنسانية ذبح حيوان أو طائر, أصل منديل كتب الكتاب و سبب قول "على مذهب الإمام فلان" .. إلى آخر الملاحظات. و مع الوقت وجدت نفسي أبتعد عن الشاطئ إلى الأعماق, و لا أعرف إن كان بسبب حب العلم أم استجابة لدعوات بيني و بين ربي أم هي إرادة الله التي تسبق أي سبب من ناحيتي لحكمة لا أعلمها.

تمر الأيام و الشهور و أجد أن هذه الطريقة في النقد و الاطلاع ليست كافية, فما أدراني من الأساس أن ديني هو الدين القويم؟ و إن تمنيت أن أكون موجودا في عصر الرسالة -كما يدّعي الكثيرون- فهل كنت سأتحلى بالشجاعة للتعرف على الدين الجديد ثم الدخول فيه إن أقنعني و أترك دين آبائي (اليهودية أو المسيحية أو أي دين آخر)؟ فأنا أجد كثيرين يغضبون لدينهم و يدافعون عنه دون أن يتعرفوا على الأديان الأخرى. و حتى حين يتعرفون عليها فَهُم يأخذون الطريق الخاطئ. فلا يصح أن أعرف عن المسيحية من مسلم, ولا عن الماركسية من يهودي, و لا عن الإسلام من مسيحي. ذلك لأن قليلون هم من يسردون الحقائق أو الأفكار بحيادية دون أي إضافة أو تعليق. و كذلك لا يصح أن آخذ معلومة عن دين من مواقف عامة من أناس لا أعرف مدى التزامهم بدينهم.

و من هنا انطلقت لرحلة أكبر لم تنتهي حتى لحظة كتابتي هذه, بين تعرّف على جوانب الدين الإسلامي و الجماعات التي ظهرت منه (سنية\شيعية\صوفية\معتزلة...), و قراءة الكتب الأخرى (التوراة و الإنجيل) و دراسات فيها, و مقالات تهاجم الإسلام خاصة أو الدين عامة, و مناظرات .... لأجد أن قضية الدين هي قضية مستمرة. فكل دين قرأت عنه وجدت فيه ما لم أجده في أتباعه و كأن الأتباع أصبحوا ينفذون الأوامر و النواهي بشكل طبيعي يتأثر بالمجتمع و التاريخ و الأهواء الشخصية. فليس كل من يحمل لقب الإسلام ينفذ تعاليمه, ولا كل من يحمل لقب المسيحية ينفذ تعاليمها. و هنا زاد الأمر صعوبة. فعلى أي أساس يقيّم كل إنسان دينه أو دين الأخرين؟ و على أي أساس تهاجم وسائل الإعلام هذا الدين أو ذاك؟

لا أعرف إن كانت تلك الرحلة ستصل لشاطئ أم لا, و لكن ما أعرفه أن هذه الرحلة مثل رحلات كثيرة قرأت عنها في الروايات: ترجع منها بأحداث و أناس لم تكن لتعرفهم لو لم تركب السفينة بحثا عن الكنز المجهول. و ذلك ما أحاول أن أستزيد منه و أتحدث عنه بشكل منظم لنفسي و لغيري. لست بالعالِم لكي ألقي محاضرة, و لكنها ملاحظات من إنسان عادي يبحث عن حقيقة ما.

كانت تلك مقدمة منطقية و استهلال لابد منه لأحاول أن أدخل القارئ داخل عقلي ليرى دوافع رحلتي و ربما يفكر في رحلته الخاصة.


Powered by Blogger.