Friday, March 25, 2011

تحويل الدين لأساطير الأولين



الحمد لله على نعمة العقل. فبدونه كنت سأتطبّع بأخلاق مجتمعي أو دين أهلي كما يرونه أو سياسة جيراني أو لغة أصدقائي دون تفكير فيما أقول أو أفعل. و لكنها ليست نعمة بالشكل الكامل, أذكر بيت شعر قاله معلم اللغة العربية في المرحلة الثانوية ليقول لنا أن العقل ليس بالشيء السهل: ذو العقل يشقي في النعيم بعقله, و أخو الجهالة في الشقاوة ينعمُ. فمن يريد إعمال عقله دائما لا يكتفي بما لديه و يسعى للمزيد, و التحقق من هذا و من ذاك. و تزداد الحيرة عندما يظهر صراع بين طرفين مهمين. ما أتحدث عنه هو الصراع بين الجانب الملحد (العلمي الصرف) و الجانب الديني المتشدد (الديني الصرف). و حينها لابد من استخدام العقل لأن موضع الخلاف يكون في صلب العقيدة ولا يمكن تجاهله إلا إذا قتلت عقلي.

إصرار الملحد على إنكار الدين يجعله يجعل كل حدث ديني له تفسير علمي يثبت عدم الإعجاز به و أنه من وحي الأساطير, و إصرار المتدين المتشدد على إثبات صدق دينه يجعله يرفض التفسير الديني الذي قد يهز صورة الإعجاز التي كان يتشبث بها ليثبت على دينه. هذا الصراع ليس مقتصرا على دين بعينه, و لكنه موجود في اليهودية و المسيحية و الإسلام, بل و الديانات الغير سماوية أيضا. يريد العديد من رجال الدين أن يحيطوا معجزاتهم و أحداثهم و أوامر دينهم بسحابة غامضة لا يحلّ لأحد أن يدخلها, و في سبيل ذلك يضحّون بأهم نعمة أعطاها الله لهم, نعمة العقل. و تلك هي النقطة التي يرتفع بها الملحدون على حساب الدين, و يسيئون بها للمعتقدات الدينية المختلفة, و الفضل في ذلك يعود ليس لأحد إلا أبناء الدين نفسهم الذين يتحدثون في مالا يعرفون ولا يتقبلون الرأي الآخر.

من جوانب إلغاء العقل: رفض فكرة أن المعجزة لا يشترط بها أن تكون غامضة بقدر كونها أحداث تأتي في الوقت و المكان المناسبين واللذان لا يستطيع أحد ترتيبهما بهذه الطريقة إلا قوة الله الكبيرة, أو أن تأتي بأحد العلوم قبل أن يعرفها أهل هذا الزمان. سأذكر أحد الأمثلة المهمة في الصراع عديم العقل بين الملحدين و المتدينين: العشر معجزات في عقاب الله لأهل مصر.

قال الله تعالى في قرآنه الكريم: ( فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلاَتٍ فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ)[سورة الأعراف، 133], و آيات مشابهة في الإنجيل تصف "الضربات العشر":  تحويل مياه النيل إلى دم (خر 7: 14-25)، والثانية ضرب الضفادع (ص 8: 1-15)، والثالثة ضربة البعوض (ع 16-19)، والرابعة ضربة الذباب (ع 20-32)، والخامسة الوباء على البهائم (9: 1-7)، والسادسة ضربة الدمامل على الإنسان والحيوان (ع 8-12)، والسابعة ضربة البرد (ع 13-35)، والثامنة ضربة الجراد (10: 1-20)، والتاسعة ضربة الظلام (ع 21-29)، والعاشرة موت الأبكار (11: 1-12: 30).

تأتي جوانب العلم المختلفة (جيولوجيا, طب, طبيعة ..) لتضع تفسيرا لهذه الضربات العشر, و هذا هو التفسير باختصار: فنتيجة انفجار بركان جزيرة سانتوريني جاءت موجة تسونامي دفعت بمياه البحر المتوسط إلى مياه دلتا النيل. أدت المياه المالحة لقتل أسماك النيل و نشر بكتيريا في النيل و ما حوله. تفاعل البكتيريا مع الغبار و الرمل كوّن مادة حمراء حوّلت لون النيل للأحمر. فساد الماء و موت الأسماك دفع الضفادع لهروب جماعي من النيل نحو الأرض. و نتيجة غياب الضفادع ازداد معدل تكاثر الحشرات. و مع قدوم الغبار البركاني المحمّل بالمواد الحمضية أصيب العديد من الناس بالحكّة و التقرحات بالإضافة لحالات الاختناق للأطفال حديثي الولادة. و بالطبع حجب الشمس لأن الغبار البركاني ارتفع لعدة كيلومترات انتشرت على مساحات واسعة. و نتيجة حدوث هذا الانفجار في فترة قريبة من شهر بناير أو فبراير فكان البرد و الصواعق منتشرة بالإضافة لتأثير الغبار, فحدثت هجرة جماعية للجراد و منطقة شمال مصر هي محطة مهمة في خط هجرة الجراد فكان هلاك الزرع.

تفسير كهذا (و مثله لإهلاك أهل القرية بثوران بركاني و شق سيدنا موسى للبحر المتوافق مع التسونامي) يستخدمه الملحدون كثيرا كدليل على وهم المؤمنين بوجود الله و عقابه. و يرفضه بعض المؤمنين بالله و كأنه رمز لعجز الله (عز و جل) عن إرسال مثل هذه الحشرات و الرموز من العدم و لا حاجة له بأن يستخدم الطبيعة التي خلقها. بفرض صحة هذا التفسير, فإن حدوث هذه السلسلة من الأحداث هو أمر معجز. فمن يمكنه أن يُحدث مثل هذا التفاعل المتسلسل بهذه البراعة؟ و أليست هذه الأحداث تبرز قوة جنود الله من الأرض للهواء للحشرات؟ و بفرض عدم صحته, فإن لله (أو الكون في حالة الملحدين) سنّة و قوانين للانتقام من الظالم. و هذه القوانين يستخدمها الله (أو الطبيعة الأم) عند الحاجة لذلك.

نوع آخر من تحويل قصص المؤمنين لأساطير هو ادّعاء أن "الزمن غير الزمن" و أن "همّا فين و احنا فين؟". فأنا أسمع قصصا مثل ابتلاء الله لسيدنا أيوب, و تعذيب ماشطة ابنة فرعون, و زهد سيدنا محمد و الصحابة في حياتهم. و أجد في كل قصة عبرة, و إلا فلمَ أنزلها الله في القرآن و أمرنا أن نتفكر فيها و في حياة رسولنا؟ و لكن شيوخ كثيرون يصرّون على وضع التصرّفات في مكانة أعلى من متناول أي شخص, و يصرّون على وضع الحواجز النفسية التي تجعل أقصى تفاعل مع القصة هو "مصمصة الشفايف" و قول "الله" و كأننا نشاهد مسلسلا دون التفكير الجدي في محاولة تطبيق ولو جزء مما فعلوه. أعجبتني جملة قالها المفكر الإسلامي الدكتور محمد سليم العوا حين قال أن الصحابة أصبحوا أكثر ثباتا على الدين بعد وفاة سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم. فهم كانوا شديدي الاعتماد عليه في كل كبيرة و صغيرة, و بعد وفاته اضطروا لتطبيق دينهم و استنتاج الحلول للمشكلات الجديدة بأنفسهم. كثيرا ما يصرّ الدعاة و الشيوخ على وضع صور أناس مثل الصحابة في صورة السوبرمان, الشخص الكامل الذي لا ينقصه شيء.

أذكر في أحد دروس المؤّرخ و العالم الإسلامي الدكتور راغب السرجاني أنه ذكر نقاط قوة و ضعف في عدد من الصحابة, أذكر منهم الآن قوة التخطيط لعمرو بن العاص و ضعف حفظه للقرآن (أتمنى أن أكون تذكّرت المثال بشكل صحيح), و كان هدفه من سلسلة دروسه إخراج الصحابة من صورة المستحيل للامستحيل, فهُم أناس هداهم الله للإسلام و استغلّوا إمكانياتهم لطاعته. و في هذه الدروس فقط أدركت أن الصحابة هم بشر حقيقيون لهم حياة خارج الكتب. ما أقصد قوله هو وضع صورة إنسانية للصحابة و إيضاح طرقهم الخاصة للتميّز.

و لأذهب بتخاريفي هذه لأبعد من ذلك, أريد الحديث عن الصورة الدرامية المطبوعة بداخلنا عن نهاية العالم. صورة الحرب بين المسلمين و الصليبيين و الكائنات البشعة المسماة بيأجوج مأجوج ... إلخ. في خطاب لبعض الحاخامات يتكلمون عن ذكر تسونامي و زلازل في أعوام 2010 و حتى 2013 (و تحقق منها بالفعل زلزال و تسونامي اليابان الذي توقعوا حدوثه في 17 مارس 2011) و حرب نهاية العالم في عصر حكم أوباما. أيا كانت مواضع الصدق و الكذب في حديثهم (ولا ننسى صدق كلام الراهب "بحيرة" في تنبؤه برسالة سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم) فإن حدوث الأمور المذكورة في ديننا لا يجب أن يكون دائما في صورة أفلام Lord of the Rings أو The Mummy Returns و لكن لكل عصر أسلوبه. بالطبع لا أملك أن أقول أن نهاية عالمنا و قيام الساعة سيكون كاملا مع انهيار حضارتنا الحديثة, و لكنني لا أريد أن أحتفظ بتلك الصورة الخيالية التي يريد أن يزرعها كثير من الدعاة بداخل عقلي دون سبب واضح لذلك.

عندما فكّرت و بحثت و بدأت الكتابة لم أقرر كيف سأنتهي, ولازلت لا أعرف. فأظن أنني سأكتفي بالتوقف الآن ...

No comments:

Post a Comment

Powered by Blogger.