هناك نظرية (و حدثت معى كثيرا) بأن أي أغنية تحبها سوف تكرهها إذا وضعتها نغمة للرنين على تليفونك المحمول. و يحدث نفس الأمر عند سماع العديد من الكلمات أو رؤية أمكنة مرتبطة بمواقف محددة. كذلك التربية الوطنية. ما هي التربية الوطنية؟ ما أذكره من المدرسة أنها كانت تشبه حصص التاريخ إلا أن بها إضافة: تخطّي حاجز العلم و إضافة التزام أدبي و نفسي بأن هذه المادة تمثّل مقدار انتمائك للوطن و حبك له. فهي حصة تاريخ مع إضافة عنصر الإكراه على حب المحتوى.
في تسعينيات القرن الماضي, انتشرت صيحة أزياء مقززة تتمثل في قمصان و أربطة شعر و حقائب عليها العلم الأمريكي, و كنت أتعجّب من عدم وجود مثيلاتها بالعلم المصري أو حتى الفلسطيني. بل عندما عدّلت في شكل ساعة يدي لتحمل ألوان العلم الفلسطيني وقت الانتفاضة وجدتها ملفتة للأنظار كأمر غريب تسقط أعين الناس عليه لأول مرة. ثم في بدايات هذا القرن و حتى الآن توجد ملابس و حقائب (لا أربطة شعر لأن صيحتها انتهت) تحمل أعلاما للبرازيل و إيطاليا, رغم أن الشركات المصنّعة هي شركات مصرية أو صينية! فلماذا هذا الحب للغرب و كره الوطن؟!
منذ أيام رأيت صورة من فيلم Iron Man III و قد تغيّرت ألوانه ليشبه Captain America, وفي خلفيته علم الولايات المتحدة, و هو أمر يحدث كثيرا في أفلام الأبطال الخارقين, بداية من الأفلام الأولى لـSuperman و حتى Spiderman و Captain America. حينها لاحظت الأمر بشكل مكثّف أكثر من أي وقت مضى. لقد تحوّل حب هذا الاختراع الحربي من مجرد حب للإثارة أو التكنولوجيا إلى رمز وطني. و بربط كل التاريخ الأمريكي القصير نجد حب رعاة البقر و المهاجرين الأوائل في حروبهم ضد الجيوش البريطانية (على أرض لا حق للطرفين فيها) حتى العصر الحديث بل و المستقبل و الخيال العلمي الذي يصوّر الولايات المتحدة (و أحيانا البطل الأبيض, و أحيانا البطل المسيحي) كمركز للدفاع عن الكوكب و حماية بني البشر. (سؤال اعتراضي: ماذا تعرف عن طارق بن زياد؟ و كيف كان شكله الحقيقي و أصل جنسه؟)
فماذا نملك من وسائل لربط الإنسان بوطنه أو دينه أو أهله؟ .. لا شيء. فكما ذكرت من قبل, لا يوجد إلا نظامٍ تعليميّ عقيم يدفع بالملل و الكراهية لأي مادة علمية أو أدبية يدرسها الطالب.و ها نحن في آخر يوم لعيد الأضحى (العيد الديني) و ها هي قاعات السينما مليئة فقط بأفلام كوميدية فارغة المحتوى (الضحك للضحك) و أفلام بلطجة و تحرش على أنغام موسيقى لا تمتّ للفن بصلة, بقيادة جيوش السبكي للّحوم.
نحن نتحدث عن أناس لا يريدون جدّية في الحديث (بل يكاد شكّي يتأكد في أن أيا من هؤلاء لن يعجب بما أكتب). أناس كانوا يجتمعون خلف رسول الله -صلى الله عليه و سلّم- فلما مات اهتزّوا و منهم من تراجع. أناس اجتمعوا خلف عبد الناصر رغم جرائمه و هزائمه و لا يزالون يدافعون عنه. العمل المستمر و جذبهم بشتّى الطرق هو الأسلوب الوحيد للدفع بأفكار مختلفة في عقولهم أو جمعهم على أمر مفيد. قد يكون ذلك بأفلام ذات إنتاج كبير تجذبهم لها دون أن يكون المحتوى ثقيلا أو مباشرا. قد يكون ذلك بالتركيز على كلمات قليلة في الخطابات و المشاريع لكي لا يتشتت هذا العقل الذي يتوق للراحة و التبعية السهلة. قد يكون ذلك بإظهار الأمثلة الجيدة في مختلف الطبقات و صنع أبطال عديدين لكي يصبحوا عناصر تأثير تجذب الأتباع من الطبقات المختلفة.
في هذه الفترة من نكستنا المستمرة لمئات السنين, لا فائدة لأي قيمة أو دين (أكرر: دين) مع وجود هذا الكم من الجهل و رفض الواقع و الجري وراء ملذّات مسكّنة. طريقة العمل هي التي تصنع الفرق. فهل من منتج أو مبتكر ... أو بطل؟
No comments:
Post a Comment