المشهد الأول: ورشة عمل عن التسويق
تم تقسيم الحاضرين لمجموعات و على كل مجموعة أن تحدد فكرة مشروع ثم تقوم بتطبيق عدة نقاط على هذا المشروع. في مجموعتي, اقترح أحدهم فكرة و قد كانت فكرة مضمونة الربح بشكل كبير. ملخصها كالآتي: مجمّع يشمل مقهى (كافيه) و صالة ألعاب رياضية (جيم) و مقهى إنترنت (نت كافيه). و وافقنا على الفكرة و كانت من الأفكار التي تبدو قابلة ااتنفيذ على مراحل بين الأفكار المطروحة من الفرق.
المشهد الثاني: مترو الأنفاق
رجل يتحدث مع آخر عن فكرة مشروع ربحي, فيقوم زميله باقتراح: "افتح سايبر, و أنا معاك في المشروع" (سايبر = مقهى إنترنت). و نبرة الرجل كانت واثقة حين اقترح هذا المشروع, بل و عرض عليه المشاركة و ذكر له التكلفة التقريبية. فهي فكرة ناجحة و الإثبات موجود في كل شوارعنا.
من هذين المشهدين - و غيرهما في حياتي و تلفازي- تظهر الثقافة الربحية التي أصبحت منتشرة في كل مكان بشكل من أشكال التفاعل المتسلسل, حيث يحاول واحد و ينجح, فيقلده آخر و يتجح, ثم آخر ثم آخر. و في الطريق تظهر عدة أمثلة للفشل ليتعلم الجميع كيفية تفادي الغلطة القاتلة -طريقة تفنيد مستندات, رشاوى, منتجات غير مطلوبة, تأمين .. إلخ-. منذ سنوات وعيي و حتى الآن رأيت السلسلة و هي تخرج من حيّز المقاهي الشعبية و محلات الألعاب الإلكترونية (السيجا) لتنتشر و يتغير شكلها حسب تغيرات المجتمع -و التقليد بين المحلات- إلى مقاهي لعرض المباريات و قنوات الأغاني و "كافيهات" حديثة تعرض الأغاني و المشروبات الغربية و يتحدث عمالها بالانجليزية, و مقاهي للإنترنت و الـ"بلايستيشن" , و محال لبيع الموبايل و اكسسواراته.
و ها أنا اليوم أنظر من حولي لأرى ثقافة استهلاكية -و هدمية أيضا- لا تحرّكنا قيد أنملة للأمام. ففكرة المشروع لا تعني أي فكرة أو هدف إلا المال, و المال فقط. فبالإضافة لأن الكثيرين لا يريدون في الحياة إلا لقمة العيش و لا يجدون الوقت للبحث عن إنسانيتهم أو دينهم -أو أي شيء متجاوز للأحشاء-, لم تكن يوما -على الأقل في سنوات حياتي- المغامرة ضمن الحسابات, و لذلك أصبح التقليد هو الشيء الأضمن بدلا من التجريب. أو كما قال "الشفيق فريق": سكان الوديان سهلي المعشر و الانقياد (هل أنا حقا أقتبس عنه جملة مفيدة؟!).
ما المشكلة في ذلك؟ دعوني أضرب مثالا أولا: في بعض الإحصائيات يظهر النمو للمحتوى العربي على الإنترنت مطردا بشكل جنوني. فما هو المحتوى في الحقيقة؟ كان هو المنتديات العربية التي لا تضيف الكثير من الفائدة مقارنة بالأكوام من الإشاعات و المواضيع الدينية المكذوبة و روابط التحميل لملفات مسروقة. كذلك السوق الأن, مئات من "المشاريع" التي -و إن كانت تدر دخلا لأسر- لا تضيف شيئا لمجتمعها أو دينها أو حتى لنفسها, بل على العكس, مع ازدياد أعدادها تصبح ذات تأثير سلبي على المجتمع بجوانبه المختلفة.
قليلون من يحاولون. منهم من ينجح , فيقلّده آخرون إن استطاعوا سواء بهدف أو بدون. و منهم من يفشل, فيحتاط الآخرون من نوعية المشاريع هذه. و في وسط هذا الهراء ما العمل؟ لا أرى إلا التحالفات و المساعدات. فمن سيجازف بكل ما يملك من أجل "فكرة"؟ و من سيستطيع دعوة الناس بمفرده لسلعة لا يحبونا دون حتى أن يجربونها, ولا يتجرؤون إلا عندما يجدونها تنتشر؟ المشاريع كغيرها من الأفكار و الجماعات, لا تنتشر بأفراد إلا في حالات نادرة من التوفيق أو التعب الشديد, و لابد لها من دعم مادي و معنوي. ما أتحدث عنه هنا ليس أمرا هيّنا, فهي ثقافة مجتمع بطبقاته من الأشد فقرا إلى الأشد غنى. و هنا سؤال جديد: هي تتغير الثقافة قبل أن تتغير الأفراد؟ و هل يتغير الأفراد بدون محاولات فردية؟
يبدو أن الأمر في النهاية بيد الأفراد لا الجماعات -كالعادة- لحين ازدياد أعدادهم ما بين عامل و مؤيد لتبدأ الصخرة في التدحرج.
No comments:
Post a Comment