في الترجمة العربية للأفلام الأجنبية نرى جملة: "اذهب إلى الجحيم". و في كثير من الأحيان لا تكون ترجمة حرفية. و مع تكرار هذه الجملة -بل و استخدامي لها في بعض الأحيان- بدأت أفكّر فيها كثيرا. هذه الجملة - و أشباهها من كلمات الإهانة- لها أضرار متعددة, و بالتحديد ثلاثة أضرار بين الناس:
1- ضرر على القائل: فهذه الجملة تعكس العنف بداخل الشخص الذي أصبح لا يطيق الشخص الذي أمامه, بل و تعدّى ذلك لتمنّي الشر. فعلى المدى الطويل يؤثر ذلك السلوك على طبيعة الشخص و عاداته. و كما تقول المقولة الشهيرة: بناء العادة يحاج لـ21 يوم. فأنا إن تعوّدت على السبّ و اللعن سأجد البذاءة تخرج من فمى دون أي مجهود يُذكَر. ناهيك عن تعكير المزاج و إفساد اليوم -أو عدة أيام\شهور-.
2- ضررعلى المستمع: هذا الشخص أيا كان سلوكه, سواء كان على صواب أو خطأ, سيتأثّر ما يسمع. فالسلوك العنيف -ولو بالقول- سيستفزّ المستمع و ربما يكون دافعا له لمزيد من العنف -ولو بالقول-. و نتيجة لذلك يكون القائل متسببا في كثير من الضرر على نفسيته\عاداته و نفسية\عادات غيره. فلو كنت تؤمن بـ"الصدقة الجارية", فربما تفكّر في "السيّئة الجارية" التي تشابهها.
3- ضرر على العلاقة بينهما: عندما يفترق شخصان, قد تظل العلاقة بينهما جيدة. فذلك لم يستطع الحياة مع زوجته, و تلك لم تحتمل عادات زميلتها في العمل ... و لكن رغم ذلك تجد حالات افتراق بأشكال مختلفة مع استمرار المعرفة الحسنة في أضيق الحدود. و لكن عندما تقطع علاقة ما بأسلوب مهين أو طريقة عنيفة, فلا تتوقع أن تستمر مثل هذه العلاقة ولو بإلقاء السلام. فإن لم تهمّك العلاقة الإنسانية, ففكّر في العلاقة المادية. لربما تجد هذا الشخص في منصب رفيع بعد عدة سنوات, و لربما تجد هذه الفتاة المهمَلة في موقع حيوي بعد أشهر من إهانتها. فلِمَ تضيع مثل هذه الفرص التي تفوق احتمالاتها الجيدة أضرارها؟
خلاصة القول أن العنف لا يحصد إلا عنفا. و طالما لم أجد فائدة من السلوك العنيف -و إن كان لا غنى عنه في بعض الحالات- فلِمَ لا أسلك الطريق السلمي؟ و هل سأجد فرقا إن ذهب هذا الشخص إلى الحجيم أو إلى شاطئ البحر؟
لماذا لا أستبدل "اذهب إلى الحجيم" بـ "اذهب إلى الحديقة"؟
فطالما لا أحتمل ذلك الرجل أو تلك المرأة, أو رأيت أذى من التعامل معهم, ولا توجد فائدة واضحة من اشتباك عنيف, فلماذا لا أستمتع براحة أعصابي و صفاء ذهني و أطلب منهم الذهاب -أو أذهب أنا- مع الحفاظ على بعض الخيوط الرقيقة بيننا؟
الأمر في النهاية هو حساب لمقدار المكاسب و الخسائر في العلاقات الإنسانية. و كلّ حرّ في استراتيجيته.