بداية أقول: أنا لست شخصا متدينا –على الأقل بالنسبة للنمط المتهالك المتعارف عليه. فأنا لست من المواظبين على المسجد, و لست ممن يحفظ القرآن بغزارة, و لست ممن يمتلكون لحية (و يأخذون لقب "شيخ"), و لست حتى كبيرا في السن لآخذ لقب "شيخ" أو "حاج"... و مع ذلك أصر على فعل ما لم يفعله الشيخ الصغير أو الحاج الكبير.
أنا لست من ملّاك السيارات –ولا أنوي حتى الآن- و لذلك فوسائل المواصلات الرئيسية لي هي الميكروباص و المترو. و يالهذه اللعنة المفروضة عليّ بشكل يومي. فبجانب الزحام و التدافع و فكر الجاهلية (أفظع من فكر الغابة), تأتي لعنة الموبايل. فكل من هب و دب يشتري جهاز ذو صوت مرتفع و يتسمع لما يحب في الطريق. و بالرغم من دفع 100 جنيه على الأقل في أي جهاز, لا يأتي هذا الشخص اللطيف بسماعة أذن –بجوز جنيهات- و يكتفي بالسماعات الخارجية العظيمة. و بالطبع كنوع من الالتزام بثقافة البهائم التي سنّها السابقون و تبعها اللاحقون, لا يمكن لهذا الشخص أن يقاوم غريزة الصوت العالي التي تنافس بقوة غريزة حب مصر. و حسب خلفية الشخص –الثقافية- تكون نوعية الأصوات الصادرة منه. فمنهم من يستمع لـ"أجمل حاجة بحبها فيكي هي دي .. طيـ...", أو "أنا عامل دماغ قراقيش علشان مابقاش فيه حشيش", أو حتى يستمع للقرآن. و أيضا بناء على تعليمات السابقين, يلتزم باقي روّاد هذه المواصلات بالسكوت و التأفف –من الداخل- و الدعاء بإرسال صلاح الدين أو عمر بن الخطاب لإغلاق أو تهدئة هذا الصوت, ولا يحركون ساكنا. و قد كنت مثلهم, لأنني وجدت -منذ نعومة أظافري- أنه لا أحد يستمع لطفل, ولا أحد أحد يستمع لمراهق, ولا أحد يستمع لشاب, ولا أحد يستمع لشاب متأنق, ولا أحد يستمع لشاب لطيف اللسان, ولا أحد يستمع لشاب حاد النظرات ... يبدو أنه لا أحد يستمع أبدا. و بدأت في الانجراف مع التيار. و لكن جينات الكرامة بدأت تلحّ و تؤلم أكثر من ارتفاع الصوت أو بذاءة الكلمات, فلم يكن منّي إلا أن حاولت من جديد, و لم يكن –من الأغلبية العظمى- إلا أن تتجاهل كلامي أو ترد بكلمات سخرية و ربما يزداد إصرارها من باب العناد. فإن كان العمل الفردي لا يفيد, و العمل الجماعي ميئوس منه, و الصبر صعب .. فلأستخدم الأسلوب الذي ادخرته للنهاية : العناد بالقرآن.
العناد بالقرآن يختلف تماما عن العلاج بالقرآن و صرف الجن بالقرآن (و إنتاج الأفلام الهابطة بوازع ديني). فهو أسلوب جديد من الدعاء الجهري. فنظريتي تقول أن كل كائن بداخله جزء نظيف و إن صغر, حتى إبليس نفسه (82 سورة ص). فلماذا لا أدعو الله أن يُظهر هذا الجزء؟ فما يكون مني –العبد الضعيف الوحيد- إلا أن أخرج تليفوني المحمول و أختار سورة من القرآن و أرفع الصوت, و أملي أن يُحرج هذا العنيد من صوت القرآن و يخفض أو يغلق صوت الأغاني المنفّرة, أو يعمل مخ "الشيخ" المستمتع بصوت القرآن العالي و يعرف خطأه. حتى الآن فالتجارب المبدئية تبدو معقولة, ربما تزداد نجاحا مع الوقت, و ربما يزداد الناس عندا و يرون التحدي و ينسون القرآن. الله أعلم, و هو المعين.
حسبي الله و نعم الوكيل فيكم ياللي كنتم السبب في اللجوء للتجارب دي.
No comments:
Post a Comment